Untitled Document

عدد المشاهدات : 597

الحلقة (348) من "تَدَبُرَ القُرْآنَ العَظِيم" تدبر الآية (44) من سورة "المائدة" قول الله -تَعَالي- (إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ

تَدَبُر القُرْآن العَظِيم
الحلقة (348)
تدبر الآية (44) من سورة "المائدة" (ص 115)

        

(إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآَيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (44) 
        

بعد أن ذكر الله –سبحانه وتعالى- كيف جاء يهود المدينة الى الرسول ﷺ يلتمسون حكمًا في قضية رجل وامرأة ارتكبا جريمة الزنا، وكانوا يرجون من ذلك أن يأتي الرسول ﷺ بحكم يخالف الحكم الموجود عندهم في التوراة وهو الرجم، يبين الله تعالى في هذه الآيات مقام التوراة، وعاقبة الخروج على الأحكام التي في التوراة، وكيف كان ذلك سببًا في ضياعهم وقساوة قلوبهم.
        

يقول تعالى (إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ)
يعنى: إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ على موسي –عليه السلام- (فِيهَا هُدًى) أي هداية وارشاد الى الحق. 
(وَنُورٌ) كما أن النور يتبين به حقيقة الأشياء، وكذلك كلام الله يتبين بها حقيقة الأمور، ويتبين به الحق من الباطل. 
وهذه الأوصاف للتوراة بأن (فِيهَا هُدًى وَنُورٌ) هي أوصاف للتوراة قبل تحريفها، أما التوراة الموجودة الآن فلا يمكن أن نصفها بهذه الأوصاف
(يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ) أي أنزلنا التوراة قانونًا يحكم به أنبياء بنى اسرائيل من موسي -عليه السلام- الى عيسي –عليه السلام- وقيل كان عددهم أربعة آلاف نبي
(الَّذِينَ أَسْلَمُوا) يعنى هؤلاء الأنبياء استسلموا وانقادوا لأوامر الله تعالى التي في التوراة.
(لِلَّذِينَ هَادُوا) يعنى لِلَّذِينَ دخلوا الديانة اليهودية.
واصل كلمة (هَادُوا) يعنى الذين تابوا.
(وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ) يعني وكذلك يحكم بالتوراة الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ، وكلمة رباني يعنى منسوب الى الله تعالى، والمراد: العلماء العاملين بعلمهم، وقيل هم الزهاد العباد.
(وَالْأَحْبَارُ) جمع حَبر، حِبْر، وهو العالم الكبير، وهو من "التحبير" وهو التحسين، أو من الحبر الذي يكتب به.

        

(بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ) 
مادة الألف والسين والتاء تأتي بمعنى الطلب، كمن يقال: استسقي يعنى طلب السقيا، استطعم يعنى طلب الطعام، استفهم يعنى طلب الفهم، استخار طلب الخير.
فمعنى (اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ) يعنى طُلِبَ منهم وكلفوا بحفظ كتاب الله ، وهو التوراة، والمقصود حفظه من الزيادة أو النقصان أو التحريف.
والمعنى: يحكم هؤلاء وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بما طُلِبَ منهم حفظه، وهو التوراة.
(وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ) يعنى وَكَانُوا عَلَيْهِ وهو التوراة رقباء من التحريف، ورقباء على تنفيذه.
فالتوراة وجميع الكتب السماوية أوكل الله حفظها الى أهلها، أما القرآن العظيم فقط تكفل الله بحفظه بنفسه، قال تعالى (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)

        

(فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ) الخطاب لعلماء اليهود وأحبارهم، يعنى لا تخافوا يا علماء اليهود من الناس، فلا تخافوا من إظهار الأحكام الموجودة في التوراة مثل الحكم برجم الزاني، ولا تخافوا من اظهار صفة الرسول ﷺ
(وَاخْشَوْنِ) يعنى بل ينبغي أن تخشوا الله تعالى اذا كتمتم أحكامه، وكتمتم صفة الرسول ﷺ

        

(وَلَا تَشْتَرُوا بِآَيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا) لا تأخذوا عوضًا عن عدم العمل بأحكام آيات التوراة ثمنًا من حطام الدنيا الفانية، سواء كان مالًا أو جاهًا.
والدنيا كلها قليل اذا كانت عوضًا عن العمل بأحكام الله تعالى.
وهذا توجيه لجميع العلماء ألا يمنعه خوفه من الناس من أن يقول كلمة الحق، وألا يخاف في الله لومة لائم، وأن لا يؤثر الدنيا على دينه.
كما يقال "اذا فسد العالم، فسد العالم"

يقول ابن العثيمين: العلماء ثلاثة: عالم سلطة، وعالم أمة، وعالم ملة، فأما عالم السلطة فهو الذي يفتى بما يريد الحاكم ، وعالم الأمة يفتي بما يشتهيه الناس، وعالم الملة وهو الذي يفتى بما تعلمه
        

(وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) 
والخطاب في الآيات لبنى اسرائيل ولغيرهم من الأمم.
وَيُرْوَى أَنَّ حُذَيْفَةَ سُئِلَ عَنْ هَذِهِ الْآيَاتِ، أَهِيَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَقَالَ: نَعَمْ هِيَ فِيهِمْ، وَلَتَسْلُكُنَّ سَبِيلَهُمْ حَذْوَ النَّعْلِ بِالنَّعْلِ

        

ولكن هل كل من لم يحكم بما أنزل الله كافر ؟
سيأتي بعد ذلك قوله تعالى (مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظالمون) وقوله تعالى (مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الفاسقون) 
لماذا وصفهم الله بالظلم والفسق، كان يكفي الوصف بالكفر، لأنه ليس بعد الكفر ذنب.
اذن الوصف بالكفر لطائفة، والوصف بالظلم والفسق لطائفة أخري.
فمن رفض العمل بحكم الله منكرًا له يعد كافرًا.
فمن يقول مثلًا أن قطع يد السارق فيه وحشية، فهذا استنكر الحكم ورده فهذا كافر.
أما من لم يحكم بآيات الله وهو مقر بها، فهو ظالم فاسق.
اذن من لم يعمل بآيات الله اما أنه كافر ، واما انه مرتكب كبيرة من كبائر الذنوب.

يقول عبد الله بن عباس: "من جحد حكم الله كفر، ومن لم يحكم به وهو مقر فهو ظالم فاسق"

 

❇        

لِمُطَالَعَة بَقِيَةِ حَلَقَات "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم"

لِمُشَاهَدَة حَلَقَاتِ "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم" فيديو

❇