Untitled Document

عدد المشاهدات : 964

الحلقة (297) من "تَدَبُرَ القُرْآنَ العَظِيم" تدبر الآيتين (95) و(96) من سورة "النِسَاء" (لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَ

تَدَبُرَ القُرْآنَ العَظِيم
الحلقة السابعة والتسعون بعد المائتين (297) (ص 94)
تدبر الآيتين (95) و(96) من سورة "النِسَاء"

❇        

(لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (95) دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (96) 
❇        

(لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ)
أي لَّا يَسۡتَوِي ٱلۡقَٰعِدُونَ عن القتال في سبيل الله مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ، مع المُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ
يقول تعالى
(غَيۡرُ أُوْلِي ٱلضَّرَرِ) أي باستثناء أصحاب الأعذار، مثل الأعمى أو المشلول أو المريض، والذين يتمنون الخروج للقتال لولا وجود العذر. 
روي البخاري وأحمد وأبو داود عن أنس أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-قال - وهو في طريقه إلى غزوة تبوك : "إِن بالمدينة أقواماً ما سرتم من مسير ولا قطعتم من وادٍ إِلا وهم معكم فيه قالوا: وهم بالمدينة يا رسول الله؟ قال: نعم حبسهم العذر"

(فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَي)
المراد بالقاعدين هنا هم ٱلۡقَٰعِدُونَ عن الجهاد بسبب العذر، فهؤلاء فضل الله تعالى المجاهدين عليهم بدرجة، لأن المجاهد بذل الجهد، وكلمة "الجهاد" تعنى بذل أقصي الجهد، وعرض نفسه للموت ولكن القاعد لم يفعل ذلك.
وقوله تعالى
(دَرَجَةً) وان كانت الدرجة في الجنة شيئًا عظيمًا، ولكنها أقل وحدة للتفاضل في الجنة. 
فالله تعالى يريد أن يميز المجاهد عن القاعد، لأن المجاهد بذل نفسه في سبيل الله والقاعد لم يفعل ذلك، ولكنه –تعالى- لا يريد أن يميزه عن القاعد تميزًا كبيرًا، لأن القاعد كان يريد أن يجاهد مثله، فلم يميزه تعالى الا بأقل شيء، وهو درجة واحدة في الجنة، وان كانت هذه الدرجة الواحدة في الجنة شيئًا عظيمًا.

❇        

ثم يقول تعالى (وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَي) أي وعد الله –تعالى- كل من المجاهد والقاعد بسبب العذر(الْحُسْنَي) أي العاقبة الحسنة، وهي الجنة ونعيمها، وفي هذا تطييب لنفوس أصحاب الأعذار.
واذا قال أحد أولى الضرر، لماذا فضل المجاهد عنى درجة، لو كنت قادرًا لما قعدت عن الجهاد، نقول أن صاحب الضرر لو صبر  صبرًا جميلًا على ما اصابه من ضرر سيكون له ثواب عظيم على صبره، فيتساوى بذلك مع المجاهد.

❇        

(وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا) والمقصود بالْقَاعِدِينَ هنا، أي الْقَاعِدِينَ بغير عذر، فالمعنى أن الله تعالى فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ بغير عذر أَجْرًا عَظِيمًا.
وهذه أخذ منها العلماء أن الجهاد فرض كفاية وليس فرض عين، بدليل أن الله تعالى لم يذم القاعدين عن القتال، وانما قال تعالى أنه فَضَّلَ الْمُجَاهِدِينَ عليهم أَجْرًا عَظِيمًا.
وان كان الجهاد فرض عين اذا لم يكف المجاهدين للدفاع عن الأمة.

❇        

اذن تفضل المجاهدين على القاعدين له صورتان: 
الصورة الأولى: تفضيل المجاهد على القاعد الذي له عذر بدرجة واحدة
والصورة الثانية: تفضيل المجاهد على القاعد بغير عذر، بأجر عظيم ودرجات كثيرة.

❇        

(دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (96)
أي أن الله تعالى فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ بغير عذر درجات كثيرة، وليس درجة واحدة كما هو الحال مع أصحاب الأعذار.
وايضًا فضل الله تعالى المجاهدين بعضهم على بعض، يعنى داخل درجة الجهاد يوجد عدة درجات
يقول الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "إِنَّ فِي الجَنَّةِ مِائَةَ دَرَجَةٍ، أَعَدَّهَا اللَّهُ لِلْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِهِ، كُلُّ دَرَجَتَيْنِ مَا بَيْنَهُمَا كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ"
صورة ذلك: في غزوة "مؤتة" أمَّر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على الجيش "زيد بن حارثة" وقال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-"إن قُتل زيد فجعفر، وإن قُتل جعفر فعبد الله بن رواحة" وكان عدد جيش المسلمين ثلاثة آلاف، وكان الروم مائتي ألف، فلما بدأ القتال قاتل "زيد بن حارثة" بضراوة حتى قتل طعنًا بالرماح، فأخذ الراية "جعفر بن أبي طالب" كما أمر الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فجعل يقاتل حتى قطعة يمينه، فأخذ الراية بشماله، حتى قطعت شماله، فاحتضنها بعضديه، فلم يزل رافعاً إياها حتى قتل، فتردد "عبد الله بن رواحة" قليلًا قبل أن يحمل الراية، ثم مضى وحمل الراية، وقاتل بضراوة شديدة، حتى قتل ومات شهيدًا، يقول الرسول "لقد رفعوا إلي في الجنة ، فرايتهم  على سرر من ذهب ، فرأيت في سرير عبد الله بن رواحة ازورارا عن سريري صاحبيه ، فقلت: عم هذا ؟ فقيل لي : مضيا وتردد عبد الله بعض التردد ، ثم مضى"

(وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) لما وعد المجاهدين بالمغفرة والرحمة، ختم الآية باسميه الكريمين الْغَفُورُ الرَّحِيمُ، فقال تعالى (وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا)

❇        

لِمُطَالَعَة بَقِيَةِ حَلَقَات "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم"

لِمُشَاهَدَة حَلَقَاتِ "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم" فيديو

❇