Untitled Document

عدد المشاهدات : 1074

الحلقة (274) من "تَدَبُرَ القُرْآنَ العَظِيم تدبر الآيات من (36) الى (40) من سورة "النِسَاء" قول الله -تَعَالي- واعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي

تَدَبُرَ القُرْآنَ العَظِيم
الحلقة الرابعة والسبعون بعد المائتين 274 (ص 84)
تدبر الآيات من (36) الى (40) من سورة "النِسَاء"

❇        

وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا (36) الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا (37) وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا (38) وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ وَكَانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيمًا (39)
❇        

وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا (36)
(وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا)
هذا أمر من الله تعالى بنبذ الشرك وإخلاص العبادة لله وحده.
والشرك نوعان: شرك يخرج عن الملة، وهو أن يشرك مع الله في عبادته آلهة أخري، مثل كفار العرب، فقد كانوا يعتقدون بوجود الله، ولكنهم يعبدون مع الله آلهة أخري، وكانوا يقولون (مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى)
والشرك الأصغر، وهو أن يرجي بالعمل غير وجه الله
قال تعالى في الحديث القدسي الذي رواه مسلم من حديث أبي هريرة: "أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه"

❇        

يقول تعالى (وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) 
يعنى وعليكم أن تحسنوا الى الوالدين، وذلك بطاعتهما واكرامهما.
يقول العلماء يدخل فيها الجد وان علا، والجدة وان علت، سواء من جهة الأب أو من جهة الأم
ودائمًا يأتي الأمر بطاعة الوالدين والاحسان اليهما في القرآن العظيم، بعد الأمر بطاعة الله تعالى، مثل قوله تعالى (وقضى رَبُّكَ أَلاَّ تعبدوا إِلاَّ إِيَّاهُ وبالوالدين إِحْسَاناً) وفي سورة لقمان (أن اشكر لي ولوالديك) والأحاديث في الحث على بر الوالدين كثيرة، منها ما رواه الترمذي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال : "رضا الله في رضا الوالدين، وسخط الله في سخط الوالدين "

❇        

(وَبِذِي الْقُرْبَى) 
أي وأحسنوا الى ذي القربي، وهم الأقارب، سواء الأقارب بالنسب أو المصاهرة.

❇        

(وَالْيَتَامَى) وأحسنوا الى الْيَتَامَى، واليتيم هو الذي فقد أبيه قبل البلوغ، فاذا بلغ فقد انتفت عن صفة اليتم.
وقد ورد في الأثر: "خير بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يحسن إليه، وشر بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يساء إليه"
والأمر بالإحسان الى اليتيم يشمل اللقيط أيضًا، وهو مجهول النسب،  فثواب الاحسان الى اللقيط لا يقل بحال عن ثواب الاحسان الى اليتيم. 
والاحسان الى اليتيم ليس بالمال فقط، فقد يكون اليتيم غنيًا لا يحتاج الى المال، فيكون الاحسان اليه بتوجيهه والعطف عليه واللطف به.

❇        

 (وَالْمَسَاكِينِ) يعنى وأحسنوا الى الْمَسَاكِينِ.
وَالْمَسَاكِينِ من السكون وعدم الحركة، كأن الفقر والحاجة أسكنته.
والمسكين هو الذي لا يملك ما يسد حاجته الضرورية، فالذي لا يملك ايجار الشقة التي يسكن فيها فهو مسكين، والذي لا يملك سداد فواتير الكهرباء والماء المستحقة في شقته فهو مسكين، والذي لا يملك مصاريف علاجه فهو مسكين، والذي لا يملك مصاريف الدراسة لأولاده فهو مسكين.

❇        

(وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى) أي وأحسنوا الى الْجَارِ ذِي الْقُرْبَى
والجار هو الذي يكون مسكنه، أو متجره، أو مزرعته الي جوارك.
ومشهور قولهم أن "النبي وصى على سابع جار" وهذا غير صحيح، وقد ورد عن كثير من السلف، أن حد الجار أربعين جار، وقالوا أربعين من كل جانب، وقال البعض كل من يسمع معك النداء فهو جار لك.
وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى، هو الجار القريب منك، فكلما كان الجار أقرب كلما كان حقه أكثر.
أو أن الجار ذِي الْقُرْبَى هو الجار الذي تجمعك به صلة قرابة، فله حق الجوار وحق القرابة.
وللأسف العكس هو الذي يحدث، فكثيرًا ما تحدث المشاكل بين الجيران اذا كانوا أقارب.
نصيحة: اقترب من الناس بالقدر الذي لا يحدث مشاكل بينك وبينهم.

❇        

(وَالْجَارِ الْجُنُبِ)
"الْجُنُبِ" هو البعيد، كما تقول اجتنب فلان أي ابعد عنه، أو اجتنبني أي ابعد عنى، ونقول "جانبه الصواب" أي ابتعد عن الصواب.
فالْجَارِ الْجُنُبِ، هو الجار البعيد عنك، أو هو الجار الذي لا تربطك به صلة قرابة.
اذن قوله تعالى (وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ) يعنى أن الله تعالى يأمرك بالإحسان الى الجار الذي تجمعك به صلة قرابة، والجار الذي لا تجمعك به صلة قرابة، ويأمرك بالإحسان الى الجار القريب منك، والجار البعيد عنك.

❇        

(وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ)
هو الرفيق، أو كما نقول الأن الزميل، سواء زميل في العمل أو دراسة أو سفرأو منحة دراسية، أو حتى في السجن، كما قال يوسف عليه السلام (يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ)
قال العلماء تشمل من كان جالسًا الى جوارك في مجلس أو في المواصلات، أو حتى واقفًا أمامك أو خلفك في طابور.
وقيل الصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ هو الزوجة، لقوله تعالى (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَـحِبَتِهِ وَبَنِيهِ) فسمي تعالى الزوجة صاحبة.

❇        

(وَابْنِ السَّبِيلِ) كانت العرب تقول للغريب الذي يمر ببلدهم ابن سبيل، كأن الطريق قد ولده وألقي به اليهم.
فابْنِ السَّبِيلِ هو الغريب والذي ليس من أهل البلدة.
وهذا موجود الآن بكثرة، ففي كل دولة يوجد الملايين الذين ليسوا من أهل البلدة، والذين جاءوا سواء للعمل أو بسبب ظروف سياسية، وهم ما يطلق عليهم لاجئين.
فهؤلاء يكونون في أمس الحاجة للمساعدة والاحسان اليهم والوقوف الى جوارهم.
ويدخل في ابن السبيل من هم دون مأوي، وكذلك ما يطلق عليهم أبناء الشوارع، وأعدادهم بالملايين، وأعدادهم في مصر وحدها 2 مليون طفل.

❇        

(وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ)
وهم الاماء والعبيد، ولم يعد هناك ملك يمين الآن، فتبقي الوصية بالإحسان الى جميع الضعفاء، مثل الخدم وعمال النظافة وعمال الأمن، وغيرهم من أصحاب الأعمال البسيطة. 
قال العلماء أن ملك اليمين يشمل كذلك الاحسان الى البهائم التي يمتلكها الانسان، فينبغي على مالكها أن يعطيها ما يكفيها من الطعام، ولا يحملها ما يشق عليها.
أخرج أبو داود وأحمد عن عبدُ الله بن جَعْفَرٍ أن الرَّسول -صلَّى الله عليه وسلَّم- دخل بُسْتانًا لِرَجُلٍ من الأنصار، وكان هناك جَمَلٌ مَوجودٌ في البستان، فلمَّا رأى الجَمَلُ النَّبيَّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- بكي وسالت عيناه بالدموع، فذهب اليه الرسول -صلَّى الله عليه وسلَّم- وأخذ يمسح خلف أذنيه، حتى سكت عن البكاء، ثم قال الرسول -صلَّى الله عليه وسلَّم- : مَنْ صاحِبُ هذا الجَمَلِ ؟ فجاء فَتًى من الأنصار فقال: لي يا رسولَ الله. فقال الرسولُ الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- "أَفَلَا تَتَّقِي الله في هذه البَهيمَةِ التي مَلَّكَكَ الله إيَّاها؟؛ فإنَّه شَكَا إليَّ أنَّكَ تُجِيعُهُ وتُدْئِبُهُ" أي وتُتْعِبُهُ في العَمَلِ.

❇        

(إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا)
المختال الفخور هو المتكبر المعجب بنفسه.
فالمختال هو الذي تظهر آثار الكبر في حركاته، سواء في مشيته أو في جلسته، أو في طريقة كلامه، فهو من الاختيال، ومنه الخيل.
أما الفخور فهو الذي تظهر آثار الكبر في أقواله. 
فالمختال الفخور لا يحبه الله تعالى بل يبغضه.
وقد خص تعالى الله هذه الصفات في هذا الموضع، لأن المختال الفخور لا يستطيع أن يقوم بأي حق من الحقوق السابقة، لأنه سيأنف من المسكين ومن الْقَرِيب الْفَقِير وَالْجَار الْفَقِير.


❇        

(الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا (37)
(الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ)
يعنى الله تعالى لا يحب–كذلك- الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل
فهؤلاء لا يكتفون بالبخل في أنفسهم بل يأمرون غيرهم بأن يكونوا بخلاء مثلهم.
(وَيَكْتُمُونَ مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) أي ويَكْتُمُونَ مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ من العلم 
فهم قد جمعوا بين البخل بالمال والبخل بالعلم.
وقد نزلت هذه الآية في اليهود، الذين كانوا يبخلون بأموالهم، ويحرضون الأنصار على البخل وعدم الانفاق، ويكتمون ما عندهم من العلم بصفة الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المذكورة في كتبهم.
وقد ذكر كتم العلم بعد البخل بالمال، لأن كتم العلم هو نوع من البخل
والعبرة بعموم اللفظ وليس بخصوص السبب، فالآية تشمل كل من يبخل بالمال وكل من يكتم علمًا حتى لو كان مسلمًا، يقول الرَسُول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "مَن كتمَ علمًا ألجمَهُ اللَّهُ يومَ القيامةِ بلجامٍ من نارٍ"
(وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا) 
كأن هذه الصفات الذميمة من البخل بالمال والعلم، لا تصدر من المؤمن، وانما تصدر من الكافر.

❇        

(وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا (38)
هذه الآية نزلت في المنافقين، اذن فالآية السابقة نزلت في اليهود، وهذه الآية نزلت في المنافقين.
يقول تعالى (وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ)
أي ويشارك هؤلاء في الذم وسوء العاقبة (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ) والرياء من الرؤيا، فهو لا ينفق الا اذا رآه الناس حتى يتكلمون عنه ويمدحونه
فالذي ينفق ولا يقصد بإنفاقه وجه الله، يستوي بمن بخل ولم ينفق أصلًا.
(وَلَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ) 
أي وَلَا يُؤْمِنُونَ بِوجود اللَّهِ تعالي، وَلَا يُؤْمِنُونَ بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ، وهو يوم القيامة، وسمي بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ لأنه آخر يوم وليس هناك يوم بعده.
فهؤلاء لو كانوا يؤمنون بوجود الله تعالى، ويؤمنون بيوم القيامة، لكان انفاقهم لوجه الله تعالى، ولن يكون انفاقهم لغير وجه الله.
(وَمَن يَكُنِ الشيطان لَهُ قَرِيناً فَسَآءَ قِرِيناً)
القرين : هو المصاحب والملازم للإِنسان، فهذا الشيطان مصاحب وملازم لهم في الدنيا، وسيقرن بهم يوم القيامة.
(فَسَآءَ قِرِيناً) فبئس هذا الصاحب.

❇        

(وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ وَكَانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيمًا (39)
يعنى: وَمَاذَاعلى هؤلاء الكفار والمنافقين لَوْ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ ؟
كما تقول للتلميذ الذي يلعب ورسب في الامتحان: كنت خسرت ايه لو كنت ذاكرت ؟
(وَكَانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيمًا) 
وهذا وعيد لهم، يعنى الله تعالى عليم بهم وبما يعملون، وسيحاسبهم على ذلك.

❇        

لِمُطَالَعَة بَقِيَةِ حَلَقَات "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم"

لِمُشَاهَدَة حَلَقَاتِ "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم" فيديو

❇