Untitled Document

عدد المشاهدات : 1834

الحلقة (272) من "تَدَبُرَ القُرْآنَ العَظِيم تدبر الآيتين (32) و(33) من سورة "النِسَاء" قول الله -تَعَالي- ((وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْن

تَدَبُرَ القُرْآنَ العَظِيم
الحلقة الثانية والسبعون بعد المائتين (ص 83)
تدبر الآيتين (32) و(33) من سورة "النِسَاء"

❇        

(وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (32) وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآَتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا (33)
❇        

(وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (32)
روي في سبب نزول هذه الآية الكريمة، لما نزل قول الله تعالى (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِ ٱلأُنْثَيَيْنِ) قالت النساء  نحن أحوج أن يكون لنا سهمان ولِلذَّكَرِ سهم واحد، لأننا ضعفاء ولا نعمل وهم يعملون.
وقيل في سبب نزول الآية أيضًا أن أم المؤمنين السيدة "أم سلمة" قالت: يا رسول الله يغزو الرجال ولا يغزو النساء، ويحضرون الجمعة والجماعة ولا نحضر.
فأنزل الله (وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ(
قلنا من قبل أن العبرة بعموم اللفظ وليس بخصوص السبب، فسبب نزول الآية يوضح لنا ما هو التمني المنهي عنه، لأنه ليس كل تمنى منهي عنه، فاذا تمنى شخص أن يكون ذا مال -مثلًا- حتى ينفق منه في سبيل الله، أو يتمنى أن يكون ذا منصب حتى يساعد عباد الله، فهذا ليس منهيًا عنه، بل يكون له أجر على حسب نيته.
ولكن التمنى المنهي عنه هو: التمني والتطلع الى ما عند الغير، على سبيل الحسرة والحسد، سواء في أمور الدين أو الدنيا، لأن في ذلك سخط على قدر الله تعالى، وعدم الرضا بالقسمة التي قسمها الله بين عباده، واستقلال لعطاء الله تعالى.

❇        

(لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ) 
(لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا) أي أن الرجال لهم الأجر والثواب عن الأعمال الخاصة بهم، مثل الجهاد والأعمال الشاقة خارج المنزل، فلا يشاركهم النساء في هذا الأجر والثواب.
(وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ) والنساء لهن –كذلك- الأجر والثواب عن الأعمال الخاصة بهن، مثل الحمل والوضع والرضاع، فلا يشاركهن الرجال في هذا الأجر والثواب.
والمراد ألا يتمني أحد ما هو مختص بالآخر.

❇        

(وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ) 
وقرأت (وسلوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ)
أي بدلًا من أن تتمنوا ما في يد غيركم، أو تتمنوا شيئًا يستحيل حدوثه، مثل أن تتمنى المرأة أن تكون رجلًا، فاسألوا الله مِنْ فَضْلِهِ واحسانه وانعامه، فإن خزائنه –تعالى- مملوءة لا تنفد.
قال بعض العارفين، أن هذه من مواضع اجابة الدعاء، يعنى اذا مررت بهذه الآية وأنت تقرأ القرآن، أو اذا سمعتها، وسألت الله تعالى فان الله سيعطيك سُأْلَك، لماذا ؟ لأن الله تعالى يقول لك (وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ) والكريم اذا قال اسأل فلابد أن يعطي.
وليس هناك أحد يقول لك أطلب الا الله تعالى، بل انك اذا لم تسأل الله تعالى يغضب عليك
روي الترمذي وأحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:  قال النبي صلى الله عليه وسلم قال: "منْ لم يَسألِ الله يَغْضَبْ عليهِ"
يقول الشاعر:
لا تَسأَلنَّ بُنَيَّ آدم حاجةً      وسلِ الذي أبوابه لا تحجبُ
اللهُ يغضبُ إن تركت سؤاله  وبُنيَّ آدم حين يُسأل يغضبُ

❇        

(إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا) 
أي أن الله تعالى ذو علم، ومن علمه تعالى أنه يعطي كل انسان ما يصلحه، فمن الناس من يصلحه الغنى، ومنهم من يصلحه الفقر، ومنهم من يصلحه المرض، ومنهم من يصلحه الصحة، ومنهم من يصلحه الجاه والمنصب، ومنهم من لا يصلحه ذلك، وهكذا

❇        

(وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآَتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا (33)
كلمة (مَوَالِيَ) تأتي ولها معاني كثيرة، ونحن نعرف معناها من سياق الجملة، وهي هنا بمعنى الورثة، أي أن لهم ولاية على التركة.
فمعنى (وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ) أي أن لكل انسان جعلنا ورثة يرثونه.
(مِمَّا تَرَكَ) أي من التركة، وسميت التركة بذلك لأن الإنسان يتركها.
ثم يقول تعالى (الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ) أي أن هؤلاء الورثة هم (الْوَالِدَانِ) وهما الأب والأم
(وَالْأَقْرَبُونَ) لم يقل تعالى "الأقارب" ولكنه قال (الْأَقْرَبُونَ) لأن الذي يرث هم الْأَقْرَبُونَ أي الأقرب للمتوفي وليس جميع الأقارب.

❇        

وهذه الآية ناسخة لما كان يحدث في بداية الإسلام، لأنه لما هاجر الرَسُول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من مكة الى المدينة آخي النَبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بين المهاجرين والأنصار، وكانت الأخوة كاملة بحيث اذا مات الأنصاري يدخل المهاجري في الميراث مع أقاربه، فيكون له السدس، والعكس اذا مات المهاجري يدخل أخوه من الأنصار في الميراث، وكان ذلك لفترة حتى استقر المهاجرون واستقر الوضع في المدينة بين المهاجرين والأنصار، ثم نزلت هذه الآية فنسخت ما كان يحدث من توارث بين المهاجرين والأنصار، فقال تعالى (وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ)
أي لكل انسان جعلنا ورثة يرثونه في تركته، وهؤلاء الورثة هم الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ.
وعلى هذا فلا بد من الوقف عند قوله : (مِمَّا تَرَكَ) 
فتكون القراءة هكذا (وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ) أي لكل انسان جعلنا ورثة يرثونه في تركته ثم نقف، ثم كأنه قيل: ومن هؤلاء الورثة ؟ فيكون الجواب (الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ)

❇        

ثم قال تعالى (وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ) وقرأت (وَالَّذِينَ عاقدت أَيْمَانُكُمْ) أي من المؤاخاة التي كانت بين المهاجرين والأنصار، وكذلك الأحلاف التي كانوا يعقدونها، فكان يتحالف رجلان بأن ينصر كل منهما الآخر، ويرث كل منهما الآخر.
يقول تعالى (فَآَتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ) أي أن هذه المؤاخاة وهذه الأحلاف التي كانت في صدر الإسلام آَتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ أي من المحبة والنصرة والنصح وغير ذلك، ولكن دون المال، لأن المال أصبح للورثة، والذين حددت أنصبتهم آيات المواريث.
وأيضًا يمكن أن يكون (فَآَتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ) يعنى اعطوهم من الوصية، لأن الانسان يمكن أن يوصى من تركته بحيث لا يزيد عن الثلث، فهؤلاء الإخوة في الله، وهؤلاء الأحلاف يمكن أن تعطوهم شيئًا من الوصية.
(إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا) أي أن الله تعالى حاضر يشهد أعمالكم ويشهد تصرفكم في التركة

❇        

وفي النهاية نعود الى قوله تعالى (وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ) فنقول أن هذه الآية الكريمة ينبغي أن تكون قاعدة في كل حياتك، وأن تجاهد نفسك حتى تكتسب هذا الخلق.
لا تنظر الى ما في أيدي الناس، وارضى بما قسمه الله لك.
انظر في أمور الدنيا الى من هو أقل منك، وانظر في أمور الآخرة الى من هو أعلى منك.
فاذا كنت حافيا لا تجد ما تلبسه في قدميك فلا تنظر الى من يلبس حذاء وتحسده على ذلك، ولكن انظر الى من قطعت قدمه وليس عنده قدم مثلك.
نجد في المدارس مثلًا كل أم تقارن ابنها بكل الأولاد في الفصل، ليس هناك مشكلة أن تقارن ابنها بأقرانه حتى تقف علي مستواه الدراسي، ولكن المنهي عنه أن تنظر الى زملاءه على وجه الحسد
ونجد من يقارن ابنه دائمًا بأبناء أخيه أو أقاربه أو الجيران، نجد من يقارن زوجته بزوجة غيره، أو يقارن سيارته بسيارة غيره، ويقارن بيته ببيت غيره، وداخل المؤسسة يقارن مستواه الوظيفي بغيره، والمرأة تقارن لون بشرتها بغيرها، وشعرها، وجمالها 
والذي ينظر الى ما في أيدي الناس، هو أول من يشقي بذلك، من أقوال العرب "الحقد نار ان لم تجد ما تأكله أكلت نفسها" وقالوا "من راقب الناس مات هما"

❇        

لِمُطَالَعَة بَقِيَةِ حَلَقَات "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم"

لِمُشَاهَدَة حَلَقَاتِ "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم" فيديو

❇