Untitled Document

عدد المشاهدات : 1060

الحلقة (267) من "تَدَبُرَ القُرْآنَ العَظِيم" تدبر الآية (23) من سورة "النِسَاء" قول الله -تَعَالي- ((حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ ال

تَدَبُرَ القُرْآنَ العَظِيم
الحلقة السابعة والستون بعد المائتين
تدبر الآية (23) من سورة "النِسَاء"– ص 81

        

(حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (23)
        

قلنا أن الله تعالى ذكر في ثلاثة آيات متتاليات (وهي الآيات 22 و23 و24) أنواع المحرمات من النساء، وهن خمسة عشر نوعًا من أنواع النساء المحرمة.
وكل هذه المحرمات التي ذكرتها الآيات الكريمة، كانت العرب تحرمها قبل الاسلام، الا اثنين فقط وهما الزواج من زوجة الأب، والجمع بين الأختين.
وقد تحدثنا في الحلقة السابقة عن الآية (22) والتي تناولت تحريم الزواج من زوجة الأب.

        

وقلنا أن المحرمات قسمان: محرمات تحريمًا مؤبدًا، ومحرمات تحريمًا مؤقتًا.
فالمُحَرَمات تحريمًا مؤبدًا، يعنى محرمات الى الأبد، يعنى لا يمكن في يوم من الأيام أن تتزوجها، مثل الأم والبنت والأخت والعمة والخالة، وهذه تكون مَحرَما لها.
أما المُحَرَمات تحريمًا مؤقتًا، يعنى مُحَرَمات مؤقتًا لسبب، فاذا زال السبب جاز الزواج منها، مثل أخت الزوجة، اذا ماتت الزوجة، فيمكن الزواج من أختها، وهذه لا تكون مَحرَما لها.
نتناول اليوم –ان شاء الله تعالى- الآية (23) والتي ذكر الله تعالى فيها (13) نوع من أنواع المحرمات.
وأسباب التحريم ثلاثة: النسب والرضاعة والمصاهرة، فذكرت الآية 7 أنواع من المحرمات بسبب النسب، ونوعين بسبب الرَّضَاعَةِ، ثم أربعة أنواع بسبب المصاهرة,
بدأ تعالى بالمحرمات من النسب وهن –كما قلنا- سبعة، فقال تعالى (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ)
ولم يقل تعالى (حُرِّمَ عَلَيْكُمْ نكاح  أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ) وانما قال(حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ) لأن (حُرِّمَ عَلَيْكُمْ نكاح أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ) تؤذي السامع، وتشمئز منها النفس، لأنه لا يتفق مع الفطرة السليمة التي فطر الله الناس عليها.

        

قد يسأل سائل، ويقول هذه أمور معروفة، ما الحاجة لذكرها في القرآن العظيم
نقول أن هذه أمور فطرية لا خلاف عليها، ولكن هذا لم يمنع من أن يزين الشيطان لبعض أراذل الناس هذه المعصية.
وهو ما يطلق عليه "زنا المحارم" قال العلماء "أعظم الزنا على الإطلاق الزنا بالمحارم"
في دراسة قام بها أحد المعاهد في ايطاليا، شملت 36 دولة منها دول عربية، تبين أن 10% من العينة -كلهن من النساء- تعرضن لزنا المحارم.
وفي السنوات الأخيرة وصلت العديد من القضايا الى ساحات المحاكم، عن حالات تعرضت لزنا المحارم، ووصلت إلى حد إنجاب الأب من ابنته، والأخ من شقيقته.
لذلك كان يجب أن تذكر المحرمات من النساء في القرآن العظيم بصورة واضحة، لأنه –أولًا- أمر موجود، وأيضًا لو لم تُذْكر لجاء من يقول ما الدليل على أن الزواج من الأخت محرم ؟وما الدليل على أن الزواج من العمة او الخالة محرم ؟

        

(حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ) تشمل الأم المباشرة والجدة من جهة الأب والجدة من جهة الأم، فيقال: الأم وإن علت، يعنى أي امرأة جئت أنت من نسلها. 
(وَبَنَاتُكُمْ) البنت، وتشمل بنت الابن وبنت البنت، وأي كل بنت جاءت من نسلك، فيقال: البنت وان نزلت
(وَأَخَوَاتُكُمْ) سواء كانت شقيقة أو أخت لأب أو أخت لأم.
(وَعَمَّاتُكُمْ) تشمل عمتك وعمة أبيك وعمة أمك، وعمات الجد والجدة، فيقال: العمة وإن علت.
(وَخَالَاتُكُمْ) خالتك وخالة أبيك وخالة امك ،وخالات الجد والجدة.
(وَبَنَاتُ الْأَخِ) بَنَاتُ الْأَخِوان نزلن.
(وَبَنَاتُ الْأُخْتِ) بَنَاتُ الْأُخْتِوان نزلن.
كل هؤلاء محرمات بسبب النسب، وكل هؤلاء محرمات على التأبيد، وكل هؤلاء محارم.

        

يقول تعالى (وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ، وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ)
ذكر تعالى علاقتين فقط من علاقات الرضاع، وهي الأم من الرَّضَاعَةِ، والأخت من الرَّضَاعَةِ، وجاء التفصيل في السنة، فقال الرسول -صلى الله عليه وسلم- في الحديث المتفق عليه  "يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ"
والمعنى أن المحرمات بسبب الرَّضَاعِ، هن نفس المحرمات بسبب النَّسَبِ، فالمحرمات بسبب النَّسَبِ والذين ذكرتهم الآية الكريمة، وهن الأم والبنت والأخت والعمة والخالة وبنت الأخ وبنت الأخت، كل هؤلاء يحرمن بسبب الرَّضَاعِ، ولذلك ذكرت الآية المحرمات بسبب الرَّضَاعِ بعد ذكر المحرمات بسبب النَّسَبِ.
فيحرم عليك أمك من الرَّضَاعَةِ، يعنى المرأة التي ارضعتك، وبنتك من الرَّضَاعَةِ، وهي البنت التي أرضعتها زوجتك، وأختك من الرَّضَاعَةِ، وهي البنت التي رضعت من نفس المرأة التي أرضعتك، وعمتك من الرَّضَاعَةِ، وهي أخت زوج المرأة التي أرضعتك، وخالتك من الرضاعة، وهي أخت المرأة التي أرضعتك، وبنت أخيك من الرَّضَاعَةِ، وبنت أختك من االرَّضَاعَةِ.

        

يقول تعالى (وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ) يعنى لو أرضعت امرأة طفلًا فان كل ابنائها يكونون أخًا لهذا الطفل من الرضاع، لأن كل هؤلاء اجتمعوا على ثدي واحد، وان لم يكن في نفس الوقت، يعنى سواء الذين رضعوا قبله، أو الذين رضعوا بعده.
ولو أرضعت امرأة طفلًا، فان زوجها يكون أبًا لهذا الطفل من الرَّضَاعَةِ، ويطلق عليه في كتب الفقه "صاحب اللبن" يعنى نشأ اللبن في المرأة بسبب زواجه منها، فاذا كان لهذا الزوج أبناء من غيرها، فان ابناءه يكونون أخًا لهذا الطفل من الرضاع.
وتكون أخت الزوج عمة هذا الطفل من الرضاعة، وأمه جدة الطفل من الرَّضَاعَةِ، وهكذا.
وهذا ما يطلق عليه أن المحرمية تنتشر من الأم، وتنتشر من الأب أيضًا

        

ولكن لا تنتشر المحرمية من الابن.
يعنى أخيك من الرَّضَاعَةِ يمكن أن يتزوج من أختك، فالمحرمية هنا لم تنتشر من الطفل الذي رضع
ولكن لا يمكن أن تتزوج بنت أخيك من الرَّضَاعَةِ، ليس لأنه ابن أخيك، ولكن لأنه حفيد أمك من الرَّضَاعَةِ.

        

ورد سؤال: عمتي أرضعت أختـي مـع ابنتها فهـل يجوز لـي أن أتزوج من ابنة عمتي التي رضعت مع أختي ؟
نقول: يجوز، لأن أختك أخت لكل أبناء عمتك، لأن كل هؤلاء اجتمعوا على ثدي واحد وهو ثدي عمتك، والقاعدة تقول أن كل من اجتمعوا على ثدي واحد فهم أخوة، ولكن أبناء عمتك ليسوا أخوة لك، لأن المحرمية لا تنتشر من الذي رضع، وانما تنتشر فقط من  الأم التي أرضعت، وعليه فيجوز لك أن تتزوج من بنت عمتك.

        

ويشترط أن تكون الرَّضَاعَةِ التي تحرم النكاح في سن الرَّضَاعَةِ، وهو ما كان قبل بلوغ الحولين، يعنى عامين قمريين، وأي رضاعة بعد الحولين لا تحرم شيئًا.
لذلك فالضجة التي انتشرت بخصوص ما أطلقوا عليه رضاع الكبير، أمر مردود عليه، بأن الرضاع بعد الحولين لا يحرم شيئًا، والذين قالوا أن هذا خاص بسالم وامرأة أبي حذيفة، فهذا أيضًا غير صحيح لأن سالم –رضى الله عنه- ليس نبيًا، اذن ليس في الاسلام شيء اسمه رضاع الكبير.

        

الشرط الثاني في الرَّضَاعَةِ التي تحرم هو عدد الرضعات، وهذا فيها ثلاثة آراء: 
الرأي الأول: أن قليل الرَّضَاعَةِ وكثيرها يُحرم
الرأي الثاني: ثلاث رضعات مشبعات فصاعداً تحرم.
الرأي الثالث: خمس رضعات مشبعات فصاعداً تحرم.
وكل رأي له دليله، والراجح أنها خمسة رضعات مشبعات متيقنات.
ودائمًا نقول: لو كان الزواج قائمًا فنأخذ بالرأي القائل أنها خمس رضعات مشبعات متيقنات.
أما اذا لم يكن هناك زواج، فنأخذ بالشك، ونأخذ بالرأي القائل أن قليل الرضاعة وكثيرها محرم

        

ويشترط أن تكون الرضعات مشبعات، ومعنى مشبعات أن يترك الطفل الثدي باختياره، فان ترك الثدي ليتنفس أو يستريح، أو لشيء يلهيه ثم عاد اليه، فكل ذلك رضعة واحدة، واذا انتقل من ثدي المرأة الى ثديها الآخر ليكمل الرضاع فهي نفس الرضعة.
        

كان فضيلة الشيخ الشعراوي–رحمه الله- يري أن من أسباب عدم وجود البركة في البيوت، أن الزواج قد يكون غير صحيح بسبب الرضاعة، فالناس تُرْضِع والحكم ليس في بالهم، ولذلك دعا الى أن يكون في ملف التطعيمات للطفل، من الذي أرضع الطفل غير أمه، ومن الذين أرضعتهم هذه المرأة التي أرضعته، ومن الذين ارضعتهم أمه.
فعندما يأتي ليتزوج نأتي بهذا الملف ونتأكد من أن زوجته ليست محرمة عليه بسبب الرَّضَاعَةِ.
ودائمًا نقول أنه لم يعد هناك حاجة بأن يُرْضِع المولود غير أمه، لأنه لو لم يكفي لبن الأم، فانه يمكن استخدام اللبن الصناعي. 
قديمًا اذا لم يكفي لبن الأم، فكانت تلجأ الى أن يرضع طفلها جراتها أو قريبتها أو صاحبتها، أو تستأجر مرضة، وكان يطلق عليها "الظِئْر"وهي المرضعة لغير ولدها، أما الآن فهناك لبن الأطفال الصناعي، وكل ستة أشهر هناك اللبن الخاص بهذه المرحلة العمرية.
ومع ذلك ففي العقود الاخيرة، ظهر الاهتمام بالرضاعة الطبيعية، وانتشرت في بعض دول العالم جمعيات للمرضعات يقمن بمهمة الرضاعة الطبيعية، ولذلك –في هذه الحالة- لابد أن يسجل اسم هذه المرضعة واسم زوجها واسماء أبنائهما وأسماء الذين ترضعهم، وعند الزواج تراجع هذه اسماء للتأكد من أن زوجته ليست محرمة عليه بسبب الرَّضَاعَةِ.

        

وتحريم زواج إخوة الرضاعة قد يبدو أمرا غريبا في المجتمعات الغربية، ولكن أثبتت الأبحاث العلمية الحديثة والتي أجريت في الولايات المتحدة وألمانيا وبريطانيا، أن الأم اذا أعطت الطفل من ثلاث الى خمس رضعات فانه يتكون عند هذا الطفل بعض الصفات الوراثية من الأم المرضعة، ولو أرضعت هذه الأم طفلًا آخر فانه يتكون عنده نفس هذه الصفات الوراثية، ولو حدث زواج بين الطفلين فان ذلك قد يؤدي الى أعراض مرضية
        

ورد سؤال من سائلة تقول أنها تعيش في بلد أجنبي وتعرفت على سيدة مجوسية -وفي الديانة المجوسية لا يحرم زواج الأخ من أخته- وتحدثت معها عن الاسلام، وتريد هذه المجوسية أن تدخل الاسلام، ولكن المشكلة أنها متزوجة من أخيها، ولديها منه بنتان، وتقول أنها لا تريد أن يفرق بينها وبين زوجها، ولو يجب ذلك لما دخلت الاسلام، فهي تسال هل يجوز أن تدخل الاسلام وتظل مع أخيها.
ونقول: نعم يجوز أن تدخل الاسلام وهي متزوجة من أخيها، ولكن اذا أصرت على استمرار هذا الزواج بعد دخولها الاسلام فهي مرتكبة لكبيرة

        

ثم انتقلت الآيات الى المحرمات من الصهر وهن أربعة (وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ)
قال تعالى (وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ) أي أم زوجتك، أي حماتك.
وتحرم أم الزوجة، بمجرد العقد على البنت، سواء دخل الرجل بها أو لم يدخل

        

(وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ)
الربيبة هي بنت زوجة الرجل من غيره.
وقوله تعالى (فِي حُجُورِكُمْ) يعنى  في بيوتكم وتحت رعايتكم.
قال العلماء أنه ليس شرطًا  في التحريم أن تربي البنت في بيت الزوج، وقالوا أن قوله تعالى (فِي حُجُورِكُمْ) هو فقط لبيان الواقع الغالب.
ولا تحرم بنت الزوجة بمجرد العقد، وانما تحرم بعد الدخول، يقول تعالى (مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ)
اذن عندما تتزوج فانه يحرم عليك أم زوجتك، ويحرم عليك بنت زوجتك.
ولكن هناك فرق: تحرم عليك أم زوجتك بمجرد العقد، ولا تحرم عليك بنت زوجتك الا بعد الدخول.

        

يعنى لو كتب رجل على فتاة ولم يدخل بها، وقبل أن يدخل عليها رأي أمها وأعجبته، فان لا يجوز له أن يطلق البنت ويتزوج الأم، لأن الأم حرمت عليه بمجرد أن عقد على أمها
ولكن في حالة الربيبة، وهي بنت الزوجة، لو كتب رجل على امرأة ولم يدخل بها، ورأي ابنتها وأعجبته، فانه يجوز له أن يطلق الأم ويتزوج البنت ؟ لأن الآية اشترطت الدخول.
والسبب: لو ترك الرجل الفتاة وأحب أن يتزوج امها، فان البنت لن تغفر ذلك لأمها، أما لو ترك الرجل الأم، وأراد أن يتزوج ابنتها، فان الأم بعاطفتها تجاه ابنتها ستتقبل هذا الأمر، وسيغلب عليها رغبتها في تزويج ابنتها.

        

(وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ)
حليلة الأبن يعنى زوجة الأبن، وحليلة الرجل أي زوجته، لأنه يحل له منها ما لا يحل لغيره، أو لأنها تحل عنده في بيته
والأبناء ثلاثة: بالنسب والرضاع والتبني
والابن من النسب لا خلاف أنه تحرم زوجته على الأب تحريمًا أبديًا، ويكون مَحْرَمًا لها.
وأبطل الإسلام التبني، أي أبطل أن يحمل الطفل اسم شخص آخر غير أبيه.
أما زوجة الابن من الرضاع ففيه خلاف، قال البعض أنها تحرم على الأب، وقال البعض لا تحرم. 

        

(وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا)
قلنا أن جميع المحرمات التي ذكرتها الآيات كانت العرب تحرمها قبل الاسلام، الا اثنين فقط وهما الزواج من زوجة الأب، والجمع بين الأختين.
ولذلك حين ذكر زوجة الأب، والجمع بين الأختين قال تعالي (إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ) 

        

وليس معنى قوله تعالى (إِلَّا مَا قَدۡ سَلَفَۚ) أن من كان جامعًا بين أختين قبل نزول الآية فان هذا الزواج يستمر ولا شيء عليهما فيه، ولكن من كان جامعًا بين أختين وقت نزول الآية، فان العقد مع الأخت الثانية يكون باطلًا، ويتم التفريق بينهما.
أما معنى (إِلَّا مَا قَدۡ سَلَفَۚ) يعنى أن أحكام الزواج المترتبة على هذا الزواج الثاني القديم من الأخت الثانية تكون ثابتة، سواء نسب أو ميراث.

        

والحكمة من تحريم الجمع بين الأختين واضح، وهو الحفاظ على نقاء العلاقة بين الأختين.
حتى أن الزوجة الثانية اسمها "ضرة" من الضرر فهي تضر بالزوجة الأخرى، في حياة الزوج وحتى بعد وفاته لأنها تشاركها في الميراث.
وتحريم الجمع بين الأختين تحريم مؤقت، فإذا طلق الرجل زوجته، أو ماتت فيمكن له أن يتزوج بأختها.
والحكمة في أن يكون الجمع بين الأختين تحريمًا مؤقتًا، لأنه لو ماتت أحدهما وتركت أبناءًا صغارًا، فان أنسب من يتزوجها الرجل لرعاية أبناءه هو أخت زوجته، لأنها ستكون خالة أبناءه.

        

وجاءت السنة بحرمة الجمع بين الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا، والْمَرْأَةِ وَخَالَتِهَا، روى البخاري ومسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : "لَا يُجْمَعُ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا ، وَلَا بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَخَالَتِهَا" .