Untitled Document

عدد المشاهدات : 1146

الحلقة (262) من "تَدَبُرَ القُرْآنَ العَظِيم" تدبر الآيتين (15) و (16) من سورة "النِسَاء" قول الله -تَعَالي- ((وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُ

تَدَبُرَ القُرْآنَ العَظِيم
الحلقة الثانية والستون بعد المائتين
تدبر الآيتين (15) و (16) من سورة "النِسَاء"

❇        

(وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا (15) وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآَذُوهُمَا فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَحِيمًا (16) 
❇        

قلنا أن التدرج في التشريع من خصائص التشريع في الاسلام، لأن الانتقال عن العادة شاق على النفس، فكان هناك تدرج في فرض الصلاة والصيام والزكاة والجهاد والمواريث وتحريم الخمر وغير ذلك.
وكذلك كان هناك تدرج في عقوبة الزنا، لأن الزنا كان منتشرًا في الجاهلية بصورة كبيرة، فلم يكن الزنا عيبًا بالنسبة للرجال، بل كانوا يفاخرون به، وكانت العاهرة تضع أعلى بيتها أو خيمتها راية حمراء لتعلن على نفسها، وكانت الإماء تُسَّخَر لممارسة الزنا، حتى قيل أن أحد القبائل لما ارادت الاسلام طلبوا من الرَسُول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-  ان يحل لهم الزنا لانهم كانوا يتكسبون من زنا امائهم، وكان الزنا المرفوض عندهم فقط هو زنا المرأة الحرة.
وبسبب هذا الانتشار الكبير للزنا في المجتمع الجاهلى، كان هناك تدرج في عقوبة الزنا، وهو ليس تدرجًا في تحريم الزنا، فهو ليس مثل الخمر، فالخمر كان هناك تدرجًا في تحريمه، أما الزنا فكان محرمًا من أول أمره، ولكن كان التدرج في العقوبة على مرتكبه.

❇        

ولذلك قبل نزول حد الزنا وهو الجلد مائة جلدة لغير المتزوج، والرجم حتى الموت للمتزوج، اراد الله تعالى أن يمهد لتلك العقوبات الحازمة الصارمة بعقوبات أقل، فجاء في هاتين الآيتين الحبس في البيت للنساء، والإيذاء للرجال، وتُرِّكَ تحديد الإيذاء لولى الأمر، سواء بالقول أو الضرب أو غير ذلك.
واستمر العمل بهذه العقوبات المخففة سنتين أو ثلاثة، حتى نُسِّخَ هذا الحكم، فنزل حد الزنا في سورة النور وهو الجلد مائة جلدة لغير المتزوج، بقول الله تعالى (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ) وقضاء الرسول –صلى الله عليه وسلم- بالرجم للمتزوج.

❇        

يقول تعالى (وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا (15) 
(وَاللَّاتِي) جمع التى، وهي تستخدم للجمع المؤنت.
(يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ) أي يرتكبن فاحشة الزنا، لأن لفظ الْفَاحِشَةَ أكثر ما يستخدم في القرآن في الزنا، وذهب بعض المفسرون الى أنه يشمل مع الزنا استمتاع المرأة بالمرأة، وهو ما يطلق عليه السِحِاق.
(مِنْ نِسَائِكُمْ) قال البعض المقصود بذلك المحصنات أي المتزوجات، وقال البعض أنها تشمل المحصنة وغير المحصنة، أي المتزوجة وغير المتزوجة.
(فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ) أي يلزم لاثبات واقعة الزنا أربعة شهود، بالرغم من أن الشهادة في كل الحدود يكتفي باثنين، الا أنه في الزنا فانه يلزم أربعة شهود، ولا بد للشهود أن يكونوا قد رأوا واقعة الزنا رؤيا واضحة لا تقبل الشك. 
وقال تعالى (أَرْبَعَةً مِنْكُمْ) أي من المسلمين ومن الرجال فلا تقبل شهادة غير المسلم، ولا تقبل شهادة النساء لا في حد الزنا ولا غيرها من الحدود
وهذه الشروط الصعبة لاثبات واقعة الزنا،  طلبًا للسترً، وصيانة للعرض، وحتى لا يتساهل الناس في اتهام غيرهم في أعراضهم؛ لأنها شهادة قد يترتب عليها قتل، وعار يلحق بأسرة كاملة. 
فلو شهد ثلاثة على امرأة أو رجل بالزنا ولم يأتوا بشاهد رابع، أقيم على هؤلاء الثلاثة حد القذف، وهو الجلد ثمانين جلدة.
رأي "عمر بن الخطاب" وهو يَعُسُّ ليلًا رجلًا وامرأة على فاحشة، فلما أصبح قال للناس أرأيتم لو أن امامًا رأي رجلًا وامرأة على فاحشة فأقام عليهما الحد ؟ فقال الناس: انما أنت امام، فقال على : ليس ذلك لك، إن الله لم يأمن على هذا الأمر أقل من أربعة شهود .
قال عمر: يا على لقد رأيت وسمعت، قال على: لو نطقت باسمهما يا أمير المؤمنين جلدناك ثمانين جلدة، فسكت عمر.

❇        

(فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ) 
يعنى ان شهد الشهود، وثبت عليهن هذا الأمر، فان العقاب أن تحبس هذه المرأة في بيتها لا تخرج منه، وهذا الحبس يكون عقابًا للمرأة، وحتى يكون الحبس حيلولة بينها وبين الوقوع في الفاحشة مرة أخري.
وهذه يؤخذ منها أنه ليس الأصل هو عدم خروج المرأة من بيتها، بدليل أن الله تعالى جعل عدم خروج المرأة عقابًا لها.
(أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا) أو حتى يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ حكمًا آخر، أي حتى ينزل الله حكمًا آخر، فلما نزلت سورة النور قال الرسول "ها قد جاء السبيل"

❇        

(وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآَذُوهُمَا فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَحِيمًا (16)
(وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ) يعنى واللَّذَانِ يأتيان الفاحشة من الرجال، ولكن ما المقصود بالفاحشة في هذه الآية ؟ 
قال بعض المفسرون أن المقصود هو الزنا، وقال البعض أن المقصود به هو استمتاع الرجل بالرجل، أو فعل قوم لوط.
ونحن نقول أن المقصود في هذه الآية هو فعل قوم لوط، لماذا؟
لأن الله تعالى استخدم اسم (اللَّذَانِ) واللَّذَانِ تستعمل للمثنّى المذكَّر
فان قلت أن يمكن أن تستعمل (اللَّذَانِ)  لمذكر مع مؤنث، وهو ما يطلق عليه في اللغة التغليب، يعنى تغليب المذكر على المؤنث، كما تقول (الحرية والعدل هما اللذان يصنعان الأوطان) وعلى هذا فالآية يمكن أن يكون المقصود بها الزنا بين الرجل والمرأة.
نقول أن الله ذكر عقاب النساء في الآية السابقة، لذلك فليس من المناسب أن يذكر لها عقاب في الاية السابقة،  ثم يذكر لها عقاب آخر مع الرجل في هذه الآية.
فان قلت لماذا يكون المقصود في الآية فعل قوم لوط، وليس عقوبة الزنا بالنسبة للرجل ؟ نقول لأن الآية قالت (وَاللَّذَانِ) بالمثنى، ولو كانت تقصد الزنا لقال تعالى "واللذين" للجمع كما قال (وَاللَّاتِي) في الآية السابقة.
 (فَآَذُوهُمَا) ترك الله –كما قلنا- تحديد كيفية الإيذاء لولى الأمر أو القاضي، حسب ما تقتضيه مصلحة المجتمع، وهذا الإيذاء اما التعنيف أو الضرب أو الجلد أو السجن أو غير ذلك، وهذا ما يطلق عليه في كتب الفقه "التعزير" يعنى عقوبات على مخالفات لم تذكر فيها حدود 
(فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا) يعنى فإن تابا عن هذه الفاحشة وأصلحا في أعمالهما، فلا تؤذوهما ولا تعايروهما
(إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَحِيمًا)
(تَوَّابًا) صيغة مبالغة في التوبة، لأنه تعالى يتوب على الذنوب الكبيرة، ويتوب على الذنوب الكثيرة
(رَحِيمًا) ومن رحمته تعالى ان شرع لهم التوبة.

❇        

اذن فهاتين الآيتين –كما ذكرنا- تمهيد وتوطئة لحد الزنا، الذي جاء بعد ذلك، ومن تمهيد الله تعالى، أن أشار الله تعالى في هذه الآية الى أن حكمًا آخر سيأتي بعد هذا الحكم، فقال تعالى (أوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا)
فكان هذا العقاب المخفف في أول الأمر وهو حبس المرأة في البيت ان زنت، والإيذاء بالقول أو الفعل ان ارتكب الرجل عمل قوم لوط.
ثم جاء النسخ لهذه الأحكام، فساوي الله تعالى في العقاب بين الرجل والمرأة، فجعل تعالى الجلد لغير المتزوج، سواء رجل أو امرأة، فقال تعالى في سورة النور (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ) 
أما الرجل المتزوج أو المرأة المتزوجة، فقد قضى الرَسُول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عليهما بالرجم، حيث أمر الرَسُول برجم ماعز والغامدية واليهوديين.

❇        

ومعنى هاتين الآيتين محل خلاف بين المفسرين قديمًا وحديثًا،  وهو خلاف لا يؤثر، لأن الحكم في الآيتين قد نسخ كما قدمنا، ولم يستمر العمل بهذا الحكم الا سنيتن أو ثلاثة، لأن الحكم في سورة النساء، وقد نزلت سورة النساء بعد غزوة أحد في السنة الثالثة من الهجرة، ونزل حد الزنا –الذي نسخ هذا الحكم- في سورة النور في السنة الخامسة أو السادسة، 
وقيل أن هذا لم يطبق أصلًا في خلال هذه المدة، فلم يرد في كتب السنة أو السيرة أن هذا الحكم قد طبق خلال هذه الفترة، لأنه لم تكن هناك أي حالات زنا في هذه المدة، ولو كان قد طُبِّق فالذي طبقه هو الرَسُول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو أعلم بمراد الله تعالى من هذه الآيات.

❇        

الآيات تلفتنا الى أن عقوبة الزنا بالنسبة للرجل والمرأة واحدة، ونحن نخطأ كثيرًا عندما نتهاون في هذا الأمر بالنسبة لأبنائنا الذكور، بينما لا يكون الأمر كذلك بالنسبة للإناث.
وهذا عودة للجاهلية، فقد قلنا أن الزنا لم يكن في المجتمع الجاهلي عيبًا بالنسبة للرجال، بل كانوا يفاخرون به، وكان الزنا المرفوض عندهم فقط هو زنا المرأة الحرة.

❇        

ننبه الى خطأ شائع وهو تسمية الشذوذ "لواط" أو أن نقول على الشاذ "لوطي" وهذا منتشر في كتب الفقه، ولا أعرف كيف لم يتنبهوا لهذا الخطأ.
واسم "لوط" يعنى المصلح، لاط الحائط يعنى أصلحه، فلوطي يعنى المصلح، و"لوطي" يعنى منتسب الي "لوط" عليه السلام، كما نقول أنا محمدي يعنى منتسب الى محمد –صلى الله عليه وسلم-
فلا ينبغي ولا يصح ان نقول "لوطي" أو نقول "لواط" ولكن ما جاء في الحديث أن نقول "عمل قوم لوط"
ويمكن ان نطلق عليهم الشواذ، وهم لا يعجبهم هذا الأسم، لأنه يري نفسه طبيعيًا وليس شاذًا، ولذلك أطلقوا على أنفسهم اسم "مثليين" كما أطلقوا على الخمر "مشروبات روحية" 
وأصبحوا يجاهرون بهذه المعصية، كما كان يجاهر قوم لوط، وأصبحت هناك الأن 25 دولة في العالم تعترف بحقهم في الزواج، بل بعض الدول اعترفت بحقهم في تبنى أطفال، وأصبح لهم في كثير من الدول العالم أحياء خاصة بهم، ويصعب على الباحثين تحديد نسبة الشواذ في العالم، ولكن وفقًا لأكبر الدراسات في هذا المجال فان نسبتهم من 2% الى 10%
ولذلك فلابد أن نتنبه اليه، وألا نتهاون في التصدي له، لأن كل ذلك من مخططات الماسونية العالمية، التى تخطط للسيطرة على العالم، وحتى يتم لها هذا الأمر، فهو يسعون الى تقليل عدد البشرة من حوالى 8 مليار الآن الى مليار واحد، لأن هذا هو العدد الذي يمكنهم السيطرة عليه، ويطلقون عليه "الميار الذهبي" ولذلك فهم يروجون للشذوذ، ويعملون على نشر الأمراض والأوبئة، وغير ذلك من المخططات الشيطانية.

❇        

اشارت الآية الى أمر هام جدًا وهو قول الله تعالى (فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَحِيمًا)
يعنى اذا ارتكب أحد معصية، وخصوصًا فعل قوم لوط، ثم تاب من هذا الفعل فلا تعيره بهذا الفعل، ولا تذكره له، ولا تظهر حتى أنك تتذكره، حتى لا تكن عونًا للشيطان عليه.
هناك قصص عن شباب تحطمت حياتهم بسبب ممارستهم اللواط، ثم لما أرادوا التوبة والاقلاع عن هذا الأمر، لم يتمكنوا بسبب معايرة المجتمع لهم.
أخرج التِّرْمِذِيُّ  من حديث مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ـ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "مَنْ عَيَّرَ أَخَاهُ بِذَنْبٍ لَمْ يَمُتْ حَتَّى يَعْمَلَهُ"

❇        

لِمُطَالَعَة بَقِيَةِ حَلَقَات "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم"

لِمُشَاهَدَة حَلَقَاتِ "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم" فيديو

❇