Untitled Document

عدد المشاهدات : 839

الحلقة (256) من "تَدَبُرَ القُرْآنَ العَظِيم" تدبر الآية (6) من سُورَةِ "النِسَاء" قول الله -تَعَالي- (وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آَنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِس

تَدَبُرَ القُرْآنَ العَظِيم
الحلقة السادسة والخمسون بعد المائتين
تدبر الآية (6) من سورة "النِسَاء"

❇        

(وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آَنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا (6)
❇        

قلنا من قبل أن اليتيم يحجر عليه، يعنى يمنع من التصرف في أمواله، وذلك محافظة على أمواله من الضياع، وذلك حتى يبلغ الحلم، وهو ما يطلق عليه في القانون المدني "سن الرشد" والذي يتولي ادارة شئون أمواله حتى يبلغ سن الرشد هو الولى أو الوصي.
وولى اليتيم يختاره الأب قبل وفاته، فاذا لم يحدد الأب الوصى قبل وفاته، فالولى هو الجد للأب، فاذا لم يوجد الجد للأب، أو تنازل عن الوصاية، فتكون الأم سواء تزوجت أم لم تتزوج، فاذا لم توجد الأم فالأخ، ومسئلة الوصي أمر تحدد المحكمة، وفي كل الأحوال تضع الدولة ممثلة فيما يطلق عليه "المجلس الحسبي" يدها على مال اليتيم محافظة عليه، ولا ينفق منه الولى على اليتيم الا بموجب ايصالات رسمية.
يبين الله -تَعَالي- في هذه الآية الوقت الذى يقوم فيه ولى اليتيم بتسليم مال اليتيم اليه، ووضعت الآية شرطان لتسليم مال اليتيم اليه. 
يقول تعالى (وَابْتَلُوا الْيَتَامَى) أي واختبروا الْيَتَامَى، وهذا الاختبار بأن تعطه مبلغ من المال، وتنظر كيف سيتصرف فيه، أو توكل اليه مهمة في العمل وتراقب كيف سيتصرف.
(حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ) أي أن هذه الاختبارات تستمر ولا تتوقف من حين الى آخر (حَتَّى) يصل اليتيم الى سن البلوغ، وهو ما يعبر عنه في القانون المدني بسن الرشد، وقد قلنا أنه يختلف من بلد الى آخر، فأغلب الدول جعلت سن الرشد 18 عام، والبعض أقل والبعض أكثر.
(فَإِنْ آَنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا) أي فان رأيتم منهم رُشْدًا أي حسن التصرف في أموالهم.
(فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ) أي فسلموهم أموالهم من غير تأخير أو مماطلة.
اذن هناك شرطان في هذه الآية لتسليم اليتيم ماله، وهما (إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ) أي أن يصل الى سن البلوغ، و(آَنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا) أي رأيتم منهم حسن التصرف في أموالهم.

❇        

(وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا) أي ولا تأكلوا مال اليتيم بأن تسرفوا في الانفاق، وتبادروا أي تتعجلوا في الانفاق منها قبل أن يكبر هذا اليتيم ويستلم منكم أمواله.
(وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ) يقول ابن عباس: وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ بغناه؟
أي ومن كان من الأولياء غنيًا فلا يأخذ اجرة مقابل على اشرافه على مال اليتيم، وقال البعض من أهل العلم أن هذا الأمر للوجوب، وقال البعض أنه أمر للإستحباب. 
(وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ) 
وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا من هؤلاء الأولياء، فليأخذ على قدر حاجته الضرورية أو على قدر عمله، وهو ما تعارف عليه الناس من أجرة المثل.
وقد استدل عمر بن الخطاب بهذه الآية فيما يحل للحاكم من أجر من مال الدولة، فقال (إني أنزلت نفسي من مال الله منزلة مال اليتيم، إن استغنيت استعففت، وإن افتقرت أكلت بالمعروف)
عندما يأتيني سؤال: هل يجوز لرئيس جمعية أو مؤسسة خيرية أو دار أيتام أو غير ذلك من مؤسسات المجتمع المدني، هل يحل له أن يأخذ راتب على عمله ؟ وكم يأخذ ؟ فكنت أستدل بهذه الآية، وأستدل باستدلال عمر من هذه الآية، واقول (وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ)
(فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا)
يعنى فاذا أردتم أيها الأولياء تسليم اليتيم أمواله بعد أن يبلغ ويرشد، فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ عند الدفع بأنهم قد قبضوها، وبرئت عنها ذممكم.
لأن الله تعالى يعلم أن اليتيم يمكن أن يكره الوصي، لأن اليتيم ربما كان يطلب أشياء كمالية تضيع ماله، وكان الوصي يرفض أن يجيبه فيما يطلبه حماية لماله من الضياع، أو ربما ظلم هذا اليتيم الوصي وشك أنه قد أكل ماله أو شيئًا من ماله.
ولا يريد الله أن يكون جزاء الوصي الذي قام على أموال اليتيم وشئونه أن يظلم أو يتهم في أمانته.
فيقول تعالى للوصى، كما حميت اليتيم بك من المجتمع كله، أحميك أنا الآن من رشد اليتيم. 
هذه الشهادة يمكن الأن الاستعاضة عنها بايداع في البنك، أو التحويل البنكي، أو من خلال ما يطلق عليه الآن في مصر "المجلس الحسبي" 
(وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا) أي كفي بالله محاسبا لكم على أعمالكم وشاهدا عليكم فى أقوالكم وأفعالكم.
لأن هذه الشهادة تستبرىء بها أمام الناس، أما الاستبراء الحقيقي فيكون أمام الله تعالى.

❇        

لِمُطَالَعَة بَقِيَةِ حَلَقَات "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم"

لِمُشَاهَدَة حَلَقَاتِ "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم" فيديو

❇