Untitled Document

عدد المشاهدات : 1079

الحلقة (209) من " تَدَبُرَ القُرْآنَ العَظِيم" تدبر الآيات (93) و(94) و(95) من سورة "آلَ عِمْرَانَ" كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُوا بِا

تَدَبُرَ القُرْآنَ العَظِيم
الحلقة التاسعة بعد المائتين
تدبر الآيات (93) و(94) و(95) من سورة "آلَ عِمْرَانَ"

❇        

كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (93) فَمَنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (94) قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (95)

 ❇        

كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (93)
نقول أولًا من هو إِسْرَائِيلُ ؟ 
وما الذي حرمه إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ ؟ 
إِسْرَائِيلُ هو يعقوب وهو ابن اسحق بن ابراهيم –على نبينا وعليهم الصلاة والسلام- 
وقد رزق الله تعالى ابراهيم -عَلَيْهِ السَّلَام- باسماعيل واسحق –عليهما السلام- وجاء إسماعيل من زوجته هاجر، وجاء إسحاق من زوجته سارة, ومن إسماعيل جاء نبينا محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أما اسحق فقد أنجب توأما وهما "العيس" و"يعقوب" وقد جاء "العيس" أولًا ثم جاء بعده "يعقوب" ولذلك سماه أبوه "يعقوب" لأنه جاء في عقب أخيه أي بعده. 
فلما جائت "يعقوب" النبوة قيل أن المَلَك الذي جاءه سماه "إِسْرَائِيلُ" وهي في لغتهم تعنى "عبد الله" إذن يعقوب -عَلَيْهِ السَّلَام- له اسمان: يعقوب وهو الاسم الذي سماه به أبوه، وإِسْرَائِيلُ وهو الاسم الثاني الذي سماه به المَلَك، وأبناءه وذريته اطْلِق عليهم "بنى إِسْرَائِيلُ" وهم اليهود الآن.
أما اسماعيل فقد جاء من ذريته العرب 
وأما "العيس" فقد جاء من ذريته الأوروبيون والأمريكيون، لأن الذين هاجروا الى أمريكا كانوا من أوروبا
اذن فالعرب واليهود والأوربيون والأمريكيون كلهم من ذرية ابراهيم -عَلَيْهِ السَّلَام- 

❇        

هذا هو اجابة السؤال الأول: من هو إِسْرَائِيلُ ؟
أما السؤال الثاني: ما الذي حرمه إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ ؟
نقول أنه في شريعة الأمم السابقة، كان يمكن التقرب الى الله تعالى بأن تحرم على نفسك شيئُا تحبه. 
أما في شريعتنا فليس فيها أن تحرم على نفسك شيئًا تحبه، وانما حثنا الله تعالى على التقرب اليه بأن ننفق مما نحب، فقال تعالى في الآية السابقة (لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) وهذا هو الارتباط بين هذه الآية والآية السابقة عليها.
وكان يعقوب -عَلَيْهِ السَّلَام- قد أصيب بمرض، قيل أنه عرق النَسا، فكان لا ينام كل ليلة من شدة الألم، وعرق النَسا هو ألم حاد يكون في الأعصاب يمتد من أسفل الظهر حتى أسفل الساق، وقيل أنه سمى بذلك لأن تأثير ألمه يُنسِى ما سواه.
وطال مرض يعقوب -عَلَيْهِ السَّلَام- فنذر ان شفاه الله -تَعَالي- أن يحرم على نفسه أحبَّ الطعام والشراب إليه، وكان أحب الطعام اليه لحم الإبل، وأحب الشراب اليه لبن الإبل، فلما شفاه الله، حرم على نفسه لحم الأبل ولبنها.
ثم حرم بنو اسرائيل على أنفسهم لحوم الإبل وألبانها اقتداءًا بابيهم يعقوب -عَلَيْهِ السَّلَام- 

❇        

يقول تعالى (كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (93)
كلمة (الطَّعَامِ) تشمل ما يؤكل وما يشرب، كما قال الرَسُول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن ماء  زَمْزَمُ أنه "طَعَامُ طٌعْمٍ" 
وهذه الآية رد على اليهود لأنهم قالوا للرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كيف تزعم أنك على مِلَّةِ ابراهيم -عَلَيْهِ السَّلَام- وأنت تأكل لحوم الإبل وألبانها، وقد كان ابراهيم يحرم لحوم الإبل وألبانها ؟

فقال -تَعَالي- تكذيباً لهم: 
(كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ) أي أن الذي بدأ تحريم لحوم الإبل وألبانها هو إِسْرَائِيلُ أو يعقوب -عَلَيْهِ السَّلَام- وليس ابراهيم -عَلَيْهِ السَّلَام- 
ولذلك قال بعدها
(قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) 
يعنى احضروا نصًا من التَّوْرَاةِ يقول أن لحوم الإبل وألبانها قد حرمها ابراهيم -عَلَيْهِ السَّلَام- علي نفسه.

❇        

وهذه الآية فيها رد على مزعم آخر من مزاعم اليهود، ذلك أن القرآن العظيم قد ذكر أن الله تعالى قد حَرَّم علي بنى اسرائيل أنواعًا عدة من الأطعمة، وكان ذلك عقابًا لهم على ظلمهم وبغيهم، فكانوا كلما ارتكبوا ذنبًا كبيرًا، كان الله -تَعَالي- يعاقبهم بأن يحرم عليهم طعامًا طيبًا 
يقول تعالى في سورة النساء (فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ)
وفي سورة الأنعام: (وَعَلَى ٱلَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ ٱلْبَقَرِ وَٱلْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَآ إِلاَّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ ٱلْحَوَايَآ أَوْ مَا ٱخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذٰلِكَ جَزَيْنَاهُم بِبَغْيِهِمْ وِإِنَّا لَصَادِقُونَ)
فأراد اليهود أن يدفعوا عن أنفسهم هذه النقيصة التى كشفها القرآن، وهي أن تحريم هذه الأطعمة كان عقابًا من الله -تَعَالي- فزعموا أن تحريم هذه الأطعمة كانت في شريعة ابراهيم -عَلَيْهِ السَّلَام- بل وفي شريعة نوح -عَلَيْهِ السَّلَام-
فأنزل الله تعالى هذه الآية تكذيبًا لهم، فقال -تَعَالي- (كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ) 
يعنى كل الأطعمة كانت حلالًا، قبل نزول التَّوْرَاةُ على موسي -باستثناء مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ- ثم كان تحريم بعض الأطعمة في التوراة.
اذن هذه الأطعمة لم تحرم لا في شريعة نوح، ولا في شريعة ابراهيم، ولا حتى في شريعة بنى اسرائيل قبل نزول التوراة، وانما حرمت في التوراة التى أنزلت على موسي عقابًا لبنى اسرائيل الذين كانوا في ذلك الوقت، وحتى تكون عبرة لمن يأتي من بعدهم.
ثم قال تعالى (فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) يعنى إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ في هذا الادعاء فَأْتُوا بنص من كتابكم التَّوْرَاةِ يقول أن هذه الأطعمة كانت محرمة في شريعة ابراهيم -عَلَيْهِ السَّلَام-  

❇        

اذن قوله تعالى (كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ) يعالج مسألتين:
المسالة الأولى: الرد على اليهود حين أخذوا على الرَسُول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه يحلل أكل لحم الإبل وألبانها، وقالوا للرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كيف تأكل لحم الإبل وألبانها وقد كان ابراهيم -عَلَيْهِ السَّلَام- يحرمها، وأنت تزعم أنك على ملة ابراهيم -عَلَيْهِ السَّلَام- 
فقال -تَعَالي- أن ابراهيم -عَلَيْهِ السَّلَام- لم يكن يحرم لحم الإبل وألبانها، بدليل أن كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ، فالذي حرم أكل لحم الإبل وألبانها هو إِسْرَائِيلُ، ثم اقتدي به بنوه من بعده.
 المسألة الثانية: أن اليهود حاولوا أن يدفعوا عن أنفسهم أن الله -تَعَالي- قد عاقبهم على بغيهم وظلمهم بأن حرم عليهم بعض الأطعمة، فادعوا أن تلك الأطعمة المحرمة عليهم في التوارة كانت محرمة في شريعة ابراهيم -عَلَيْهِ السَّلَام- فرد الله -تَعَالي- عليهم وقال أن (كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ) أي أن كل الأطعمة كانت حلالًا لهم، ثم حرمت  بعض الأطعمة في التوراة عقابًا لهم على ظلمهم وبغيهم.

❇        

(فَمَنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (94)
(فَمَنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ) أي ذكر أن الله -تَعَالي- قد حرم لحوم الإبل وألبانها وغيرها في شريعة ابراهيم -عَلَيْهِ السَّلَام-  
(مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ) أي من بعد هذا البيان من الله تعالى. 
(فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ لأنهم يكذبون على الله تعالى 
وقد ذكر -تَعَالي- أن أعظم ذنب هو الكذب على الله، يقول -تَعَالي- (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا)

❇        

(قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (95)
(قُلْ صَدَقَ اللَّهُ) أن الله -تَعَالي- صادق في كل قوله، وصادق في قوله (كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِـلاًّ لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ) 
(فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا) (حَنِيفًا) أي مائلًا من الشرك الى الايمان، ومن الضلالة الى الهدي، لأن الحنف هو الميل، والميل عن الطريق المعوج هو السير في استقامة.
 (وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) هذا تنزيه لإبراهيم -عَلَيْهِ السَّلَام- عن الشرك، فكيف يدعى اليهود والنصاري أنهم على مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ، ثم يشركون بالله تعالى 

❇        

❇        

لِمُطَالَعَة بَقِيَةِ حَلَقَات "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم"

لِمُشَاهَدَة حَلَقَاتِ "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم" فيديو

 ❇