Untitled Document

عدد المشاهدات : 1361

الحلقة (208) من " تدبر القُرْآن العَظِيم" تدبر الآية (92) من سورة "آلَ عِمْرَانَ" قول الله -تَعَالي- (لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (92

تدبر القُرْآن العَظِيم
الحلقة الثامنة بعد المائتين
تدبر الآية (92) من سورة "آلَ عِمْرَانَ"

❇        

(لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (92) 
❇        

تحدث الله تعالى في الآيات السابقة عن الكفار، وعن العذاب الأليم الذي أعده الله لهم، وكعادة القرآن العظيم، بعد الحديث عن الكفار والعذاب والنار، يأتي الحديث عن المؤمنين والجنة والنعيم، فيقول تعالى:
(لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ) 
مادة الباء والراء تفيد السعة، ومنه (البَرّ) أي الأرض المتسعة، ومنه كذلك البحر.
ولذلك استعملت كلمة الْبِرَّ لتفيد كل معاني الخير.
ولذلك كان الأمر من الله تعالى ببر الوالدين، يعنى أن تقدم لهما كل أنواع الخير، فالبر هو أعلى درجات العطاء.
ولذلك استخدم تعالى فعل (تَنَالُوا) الذي يشعر بعلو الغاية وسموها
فقوله تعالى (لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ) 
أي لَنْ تَنَالُوا  أن تكونوا بارين بالله تعالى.
ولَنْ تَنَالُوا أن يبر الله -تَعَالي- بكم.
يعنى: لن تصل الى هذه الدرجة العالية من الطاعة، وهي أن تكون بارًا بالله تعالى.
ولن تصل الى هذه الدرجة العالية من العطاء الإلاهي، وهي أن يبر الله -تَعَالي- بك.
(حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) فالسبيل للوصول هذه الغاية هو الصدقة، ولكن ليس أي صدقة ولكن أن تتصدق بما تحب.

❇        

لأن الرَسُول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أخبرنا أنه -تَعَالي- يأخذ الصدقة بيمينه، فاذا وضعت في يمين الله ما تحب، وهو تعالى أكرم الأكرمين، فلابد أن يكون يعطيك الله جزاء عطائك ما تحب اضاف أضعاف ما أخذ منك حتى يذهلك بعطائه.
❇        

وقوله تعالى أي (مِمَّا تُحِبُّونَ) اي "بعض مَّا تُحِبُّونَ" أي ألا تنفق كل ما تحب من مالك، ولكن تنفق بعضه.
لأنك لو أنفقت كل ما تحب من مالك، وأنت قلبك متعلق به، فسيكون هذا مدخلًا من مداخل الشيطان، ويمكن أن تصل بك وسوسته الى أن يجعلك تسخط على نفقتك.
أيضُا اذا تصدقت بكل مالك فقد ضيعت نفسك، وضيعت من تعول، وأنت واجب عليك أن تكفي نفسك، وتكفي من تعول.
فاذا تصدقت بكل مالك، فكأنك أديت السنة وتركت الواجب

❇        

روي أن هذه الآية عندما نزلت جَاءَ "زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ" بِفَرَسٍ لَهُ كَانَ يُحِبُّهَا ، فَقَالَ: يا رسول الله هَذِهِ فِي سَبِيلِ اللَّه.
وكان "عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ" أكثر أهل الْمَدِينَةِ نَخْلٍا، وَكَانَ أكثر نخله وأجوده بستان في مكان اسمه بَيْرَحَاءَ أمام مسجد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ، فلما نزلت هذه الآية قَال أَبُو طَلْحَةَ للرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَحَبَّ أَمْوَالِي إِلَيَّ بَيْرَحَاءُ، وَإِنَّهَا صَدَقَةٌ لِلَّهِ أَرْجُو بِرَّهَا، وَلَوِ اِسْتَطَعْتُ أَنْ أَجْعَلَهُ سِرًّا لَمْ أَجْعَلْهُ عَلَانِيَةً‏.
وكان لابن عمر جارية من السبي يحبها، فأعتقها في سبيل الله -تَعَالي- وقال: لولا أن ذلك يقدح في عتقها لتزوجتها.

❇        

وجاء الى أبي ذر ضيف، وكان عنده ابل، وبين الابل فحل يلقحها، فقال أبو ذر للراعي: اخرج الى ابلي واختر خيرها نذبحه للضيف، فخرج الراعي وجاء بناقة هزيلة، فقال أبو ذر: الم أقل لك هات خيرها ! فقال الراعي: رأيت خيرها فحلًا وقدرت يوم حاجتك اليه، فقال أبو ذر: ان يوم حاجتى اليه ليوم أوضع في حفرتي.
❇        

نختم بهذه القصة الحقيقية، والتي يرويها رجل من البدو في صحراء الجزيرة العربية، يقول كان في فصل الربيع، ونظر الى الإبل التي يمتلكها فكانت سمينة وتدر لبنًا كثيرًا، ونظر الى ناقة من نياقه وابنها خلفها، وكانت أسمن نياقه، وأكثرها لبنًا، وتذكر قول الله تعالى (لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) فقال والله لأتصدقن بهذه الناقة وولدها لجاري، وكان له جار فقير له سبع بنات، فأخذ الناقة وابنها وطرق الباب على جاره، وقال له خذ هذه هدية منى لك، ففرح جاره فرحًا شديدًا، وأخذ الناقة فكان يشرب من لبنها وينتظر الوليد حتى يكبر. 
فلما انتهي الربيع جاء الصيف بجفافه وقحطه وتشققت الأرض، فخرج مع أولاده الثلاثة يبحث عن الماء في الدَحْول، والدَحْول  هي فتحات طبيعية في الأرض يعرفها البدو، ويمكن للإنسان أن يدخل في بعضها ويسير أو يزحف في ممرات متعرجة، يمكن أن تصل الى أكثر من كيلو متر تحت الأرض، وتصل في آخرها غالباً إلى مياه، وهو غير الكهف لأن الكهف يكون فتحة في الجبل، أما الدَحْل فيكون فتحة في الأرض، وهذه الدَحْول تنتشر في صحراء الجزيرة العربية بالآلاف.
فلما خرج هذا الرجل البدوي مع أبناءه الثلاثة يبحثون عن الماء في الدَحْول، دخل أحد هذه الدَحْول وأولاده الثلاثة ينتظرونه خارج الدَحْل  ، ولكنه تاه في الدَحْل   ولم يعرف طريق الخروج.
وانتظر أبناءه الثلاثة يومًا ويومين وثلاثة حتى يئسوا وقالوا: لعل ثعبانًا لدغه ومات، أو لعله تاه تحت الأرض وهلك وكانوا أبناء سوء ينتظرون موت أباهم طمعًا في تقسيم المال.
فذهبوا إلى البيت وجلسوا يقتسمون الميراث، ثم قال أحدهم: أتذكرون ناقة أبي التي أعطاها لجرانا، إن جارنا هذا لا يستحقها، فلنأخذ بعيرًا فنعطيه له، ونأخذ منه  الناقة وابنها، فذهبوا اليه وقالوا له: اعطنا الناقة، فقال لهم: إن أباكم أهداها لي، وأنا وبناتي نتغذي على لبنها، فقالوا له: ان أبنانا قد مات.

فقال لهم: كيف مات ؟ وكيف لم أدري ؟
قالوا : دخل دَحْلًا في الصحراء ولم يخرج.
فقال : خذوا الناقة ولا أريد بعيركم، ولكن دلوني على هذا الدَحْل

فلما ذهبوا به الى الدَحْل، ربط الرجل حبلًا خارج الدَحْل، وأخذ شعلة ودخل الدَحْل، وجعل يحبوا داخل ممرات الدَحْل   مرة، ويزحف مرة، ويتدحرج مرة، حتى سمع صوت أنين، ووجد صاحبه وهو حي يتنفس بصعوبة،  فأخذ يجره، وقبل أن يخرج ربط عينيه، وأعطاه ماء وتمر، وحمله على ظهره وجاء به الى داره ودبت الحياة في الرجل من جيد. 
ثم قال له: أخبرني بالله عليك كيف بقيت أسبوعًا حيًا تحت الأرض وأنت لم تم.

قال: سأحدثك حديثاً عجيباً، لما دخلت الدَحْل ، وصلت الى الماء ولكني تهت ولم أستطع الخروج، فبقيت بجانب الماء أشرب منه، ومرت ثلاثة أيام وبلغ بي الجوع مداه، حتى استلقيت على ظهري وسلمت أمري لله، فاذا بي  أحس بلبن يتدفق على لساني فاعتدلت، فإذا بإناء في الظلام لا أراه يقترب من فمي فأرتوي ثم يذهب، فأخذ يأتيني في الظلام كل يوم ثلاث مرات ولكن منذ يومين انقطع ، ولا أدري ما سبب انقطاعه ؟
فقال الجار لو تعلم سبب انقطاعه لتعجبت ! ظن أولادك أنك مت فجائوا إليَّ فأخذوا الناقة التي كان يسقيك الله منها.
وكما قال الرسول-صلى الله عيله وسلم- صنائع المعروف تقي مصارع السوء
فجمع الرجل أولاده وقال لهم: أخسئوا، لقد قسمت مالي نصفين ، نصفه لي ، ونصفه لجاري

❇        

لِمُطَالَعَة بَقِيَةِ حَلَقَات "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم"

لِمُشَاهَدَة حَلَقَاتِ "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم" فيديو

 ❇