Untitled Document

عدد المشاهدات : 2183

الحلقة (153) من "تدبر القُرْآن العَظِيم" تدبر تدبر الآيات من (246) الى (252) من سورة البقرة: أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَ

  تدبر القُرْآن العَظِيم

الحلقة الثالثة والخمسون بعد المائة الأولى
تدبر الآيات من (246) الى (252)  من سورة البقرة
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (246) وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (247) وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آَيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آَلُ مُوسَى وَآَلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (248) فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُوا اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (249) وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (250) فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآَتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ (251) تِلْكَ آَيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (252)
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
هذه الآيات الكريمة من الآية (246) حتى الآية (252) من سورة البقرة تروي لنا قصة هامة جدًا من قصص التاريخ، وهي قصة طالوت وجالوت وبداية ظهور نبي الله داود
وهذه القصة هي حلقة من حلقات الصراع بين الحق والباطل، أو بين أهل الحق وأهل الضلال، وهي الحلقات التى بدأت منذ اللحظة الأولى لخلق آدم عليه السلام والتى ستستمر حتى أخر لحظة من عمر هذه الدنيا قبل قيام الساعة
حتى نخلص الأحداث قبل أحداث القصة نقول: أن موسى –عليه السلا- أمر بنى اسرائيل بدخول الأرض المقدسة، وهي القدس، فرفض بنو اسرائيل، وقالوا (اذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ) فعاقبهم الله تعالى بالتيه أي بالتوهان في أرض سيناء أربعين سنة، ومات موسى –عليه السلام- وبنى اسرائيل في التيه، وكان هارون قد مات قبله موسى بسنة، وملك بنى اسرائيل بعد موسى، فتى موسى ونبي الله "يوشع بن نون" عليه السلام، وفرض عليهم القتال، ودخل بنو اسرائيل في عهده القدس.
بعد ذلك وقعت كثير من الأحداث لبنى اسرائيل لا يتسع لها المقام، ولكن ظل بنى اسرائيل طوال هذه الفترة يتعرضون لغوات الأمم القريبة منهم كالعماليق والآرميين وأهل مدين وأهل فلسطين وغيرهم، فكانوا يغلبون أحيانًا ويغلبون أحيانًا أخري
في أحد هذه المواجهات بعد وفاة "موسى" بحوالى خمسمائة سنة، وقبل الميلاد بحوالى ألف سنة، أي قبل الآن بحوالى ثلاثة الاف سنة، كان على "بنى اسرائيل" ملك اسمه "ايلاء" وكانت قد كثرت فيهم الخطايا، وكان معهم نبى اسمه "شَمْوِيلَ‏ بْنِ بَالِي" أو "سَمْوِيلَ‏ بْنِ بَالِي" وهو ما يطلق عليه في التوراة "صموئيل" ولكنهم لم يكونوا يطيعونه ولا يقبلون منه شيئًا
وفي ذلك الوقت تعرض بنى اسرائيل لهجوم أحد أعدائهم من قبائل العماليق، والعماليق قبائل سكنت الجزيرة العربية والشام، وقد أطلق عليهم هذا الإسم اما لأن أجسادهم ضخمة، أو نسبة الى جدهم "عمليق" وكان بنو اسرائيل –كما قلنا- قد اصطدموا بهم في عدة معارك بعد خروجهم من مصر
في أحد هذه المواجهات، وكان ملك العماليق رجل جبار اسمه "جالوت" انهزم بنى اسرائيل هزيمة منكرة، وطردوا من بيت المقدس، وسبى العماليق من نسائهم،  وأسروا أبنائهم، واستولوا على "تابوت بنى اسرائيل"   
والتابوت هو صندوق كان بنو اسرائيل يحفظون فيه بقايا ألواح التوراة التى انزلت على موسى، وعصا موسى، ونعل هارون، وغير ذلك من آثار موسى وهارون وغيرهما من أنبياء بنى اسرائيل
وكان بنو اسرائيل يتواثون هذا الصندوق كَابِرًا عَنْ كَابِرٍ، فَكَانُوا اذا لقوا عدوهم يُقَدِّمُونَ هذا التَّابُوتَ وَيَزْحَفُونَ بِهِ فيهزمون عدوهم 
فلما وقعت ببنى اسرائيل هذه الهزيمة المنكرة، واستولى أعدائهم على التابوت مات ملكهم "إِيلَاءُ" حزنًا وكمدا، وأصبحوا بلا ملك، وعاشوا فترة في فوضى واضطراب، لأنه ليس عندهم ملك يدبر أمورهم
فلجأ بنو اسرائيل الى نبيهم "شَمْوِيلَ‏ بْنِ بَالِي" ليختار لهم ملك، ينظم لهم أمورهم، ويقودهم في الحرب ضد عدوهم ليستعيدوا مجدهم الضائع، وبلادهم التى فقدوها 
هذه هي بداية القصة التى سردها القرآن العظيم
أوقع العماليق ببنى اسرائيل هزيمة منكرة
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
يقول تعالى (أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ) 
 (الْمَلَإِ) هم الجماعة، وهم رؤساء القوم وأشرافهم، يعنى الذين تحدثوا بهذا الحديث هم غالبية القوم ورؤسائهم وأشرافهم.
(مِنْ بَعْدِ مُوسَى)
بيان للزمن الذي وقعت فيه أحداث هذه القصة، أنها وقعت في زمن بَعْدِ مُوسَى، وكما قلنا أن هذه الأحداث كانت بعد موسى بحوالى خمسة مائة سنة، وقيل مائة وخمسون سنة
وهي قبل ميلاد السيد المسيح بحوالى ألف سنة أي قبل الآن بحوالى ثلاثة آلاف عام  
)إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ( 
قلنا أن هذا النبي هو على الراجح "شَمْوِيلَ‏ بْنِ بَالِي" أو "سَمْوِيلَ‏ بْنِ بَالِي" وهو ما يطلق عليه في التوراة "صموئيل" 
ولم يذكر القرآن اسم هذا النبي، وهذه هي طريقة القرآن الكريم في سرد القصص أنه لا يهتم بذكر أسماء الأشخاص أو الأمكنة أو الأزمة الا بالقدر الذي يستدعيه المقام، حتى يركز القاري للقرآن على العبرة من القصة
(ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) 
كا قلنا كانوا في ذلك الوقت يعيشون بلا ملك بعد موت ملكهم "ايلاء" فطلبوا ملكًا ينظم أمورهم، ويقودهم في الحرب ضد عدوهم
 (قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا) 
(قَالَ) يعنى قَالَ لهم نبيهم (هَلْ عَسَيْتُمْ) وقرأت (هَلْ عَسِيْتُمْ) بكسر السين، وهي أحد لهجات العرب (إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ) يعنى (إِنْ فُرِضَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ) (أَلَّا تُقَاتِلُوا)
مثل طفل يطلب من والده سندوتشين، والأب أعلم بابنه وقدرته على الأكل فيقول له: كفاية سندويتش واحد، فيقول له: لا أريد اثنين، فيقول الأب: سأحضرهما لك لن تأكلهم
أو شاب يرد أن يكون المؤذن في المسجد، فيأتي رجل يعلم أن هذا الشاب كثيرًا ما تغلبه عينه، فيقول له: سنجعلك المؤذن لن تلتزم
وهذا القول من نبيهم لأنه أعرف بطبيعتهم أنهم اذا فُرِضَ عَلَيْهم الْقِتَالُ، فأنهم سيجبنون ويرفضون الْقِتَال
فكأنه يقول لهم راجعوا أنفسكم قبل أن تطلبوا هذا الطلب، لأنه اذا فرض عليكم القتال، ولم تقاتلوا ستعاقبون على ذلك
(ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ)
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا)
هذا هو ردهم على نبيهم، أنهم قالوا لنبيهم ما الذي يجعلنا لا نقاتل وحالنا كما تري ؟ أخرجنا من ديارنا، وَأخذوا منا أَبْنَائِنَا
كما نقول في تعبيرنا الدارج "ما عندناش حاجة نبكي عليها" 
( فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ)
يعنى كان نبيهم صادقًا فيما توقعه منهم، أنهم لما فُرِضَ عَلَيْهم الْقِتَالُ، رفض معظمهم الْقِتَال، الا عددًا قليلًا منهم 
والقليل هو ما دون الثلث، لأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قال في حديثه: "والثلث كثير"
وهذا هو حال كثير من الناس، أنهم يرحبون بالمعارك قبل قدومها، فاذا وقعت كذبت أعمالهم أقوالهم
وكانت هذه هي أول مرحلة من مراحل التمحيص
(وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ)
أي وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ، الذين يظلمون أنفسهم وأمتهم بترك الجهاد وما أمرهم الله به 
(قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا)
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا)
دعا نَبِيُّهُمْ وهو كما قلنا على الراجح "شَمْوِيلَ‏ بْنِ بَالِي" الله تعالى أن يختار ملكًا لبنى اسرائيل فأوحي الله تعالى أن يكون الملك هو رجل من بنى اسرائيل اسمه طالوت
فأخبر "شَمْوِيلَ‏ بْنِ بَالِي" بنى اسرائيل أن الله تعالى قَدْ اختار طَالُوتَ مَلِكًا عليهم
وكان "شَمْوِيلَ‏" يعلم أن بنى اسرائيل سيرفضون هذا الاختيار، لأن الملك كان في بنى اسرائيل دائمًا فِي سِبْط يهوذا بن يَعْقُوب، كما كانت النُّبُوَّة فِي سِبْط لاوي بن يَعْقُوب، وكان طالوت من سبط "بنيامين بن يعقوب" 
ولذلك اجتهد "شَمْوِيلَ‏" محاولًا أن يقبلوا هذا الاختيار
فقال لهم (إِنَّ الله قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً) يعنى هذا ليس اختياري ولكنه اختيار الله تعالى لكم
ثم قال (بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً) لم يقل(بَعَثَ عليكم) يعنى هذا الاختيار (لَكُمْ) أي لصالحكم
(وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا)
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
( قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ)
رفض "بنى اسرائيل" أن يكون طَالُوتَ مَلِكًا عليهم، كما توقع نبيهم، وكان سِبْط يهوذا بن يَعْقُوب، وهو سبط الخلافة، أو سبط الملك، هو الذي يقود هذا الرفض، وقالوا (أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ) 
يعنى كيف يكون ملكًا علينا، وهو ليس من سبط الخلافة، وَنَحْنُ أَحَقُّ أي أولى بِالْمُلْكِ مِنْهُ، لأننا من سبط الخلافة
ثم قالوا (وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ) يعنى وهو فقير أيضًا ليس له مال، وكان طالوت من أفقر بيوت بنى اسرائيل، وقيل أنه كان رَجُلا سَقَّاءً، يَسْقِي عَلَى حِمَارٍ لَهُ، وقيل أنه كان دباغًا.
يعنى لو كان غنيًا كان يمكن أن يكون له استثناء، ولكنه فوق أنه ليس من سبط الملوك فهو أيضًا فقير.
( قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ)
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
 (قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ) 
يَعْنِي‏:‏ اخْتَارَهُ وفضله عَلَيْكُمْ
(وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ)
أي فضله عليكم بأن بسط الله له في العلم والجسم، والمقصود بالعلم هنا هو العلم بالأمور الحربية
وهذه هي أهم الصفات التى هم في حاجة اليها في الملك في المرحلة التى هم مقبلون عليها، وهي مرحلة مواجهة حربية سعبة جدًا، واستعادة أمجادهم الضائعة، ودولتهم الزائلة. 
وقيل أن اسم "طالوت" هو  "شاول بن قيس" ولكن أطلق عليه "طالوت" لشدة طوله، وكان قويًا شديد البطش في الحرب
(وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ)
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ثم قال لهم نبيهم
(وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ) 
أي أن الْمُلْكُ بِيَدِ اللَّهِ يَضَعُهُ حَيْثُ شَاءَ، لَيْسَ لَكُمْ أَنْ تَخْتَارُوا فِيهِ‏.‏
 (وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)
وَاللَّهُ وَاسِعٌ أي وَاسِعٌ العلم
(عَلِيمٌ) عليم بمن يصلح لهذه المهمة.
الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
والآية فيها اشارة هامة الى أن من أبرز أسباب تدهور الأمم هو عدم الأخذ بالمقاييس الصحيحة لاختيار كل صاحب عمل
فهؤلاء القوم من بنى اسرائيل كانوا يرون أن المؤهلات المطلوبة للملك هي النسب وكثرة المال، ولو فعلوا ذلك لاستمروا في مسلسل الهزائم والتدهور الذي هم فيه.
فأرشدهم الله تعالى الى المؤهلات المطلوبة للملك في ذلك الوقت وهي العلم بالأمور الحربية والقوة البدنية
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آَيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آَلُ مُوسَى وَآَلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) 
هذا الكلام يعنى أن هؤلاء القوم من بنى اسرائيل قد كذبوا نبيهم، ورفضوا ملك "طالوت" عليهم حين قال لهم (إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا) ولذلك احتاج الى أن يأتي لهم بأية أي بدليل من الله تعالى على أن "طالوت" هو اختيار الله تعالى لهم، ولم يكن من اختياره هو
فقال لَهُمْ نَبِيُّهُمْ (إِنَّ آَيَةَ مُلْكِهِ) أي علامة أن الله تعالى ملكه عليكم. 
(أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ) أي: أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ، وهو التَّابُوتُ الذي تحدثنا عليه وقلنا أن عدوهم من العمالقة استولوا عليه، أَنْ يَأْتِيَكُمُ هذا التَّابُوتُ من أرض العمالقة 
(فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ) أي في إتيانه سكون لنفوسكم وطمأنينة
ولا شك أن التابوت عندما يأتيهم سيشعرون بسكينة وطمأنينة في القلب وهدوء نفسي.
(وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آَلُ مُوسَى وَآَلُ هَارُونَ) كما قلنا أن الصندوق بقايا ألواح التوراة التى انزلت على موسى، وعصا موسى، ونعل هارون، وغير ذلك من آثار موسى وهارون وغيرهما من أنبياء بنى اسرائيل
(تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ) 
والملائكة كائنات غير مرئية، فاذا حملت الصندوق وأتت به، فكأن الصندوق أتي طائرًا بين السماء والأرض
يقول ابن عباس: تحمله الملائكة بين السماء والأرض، حتى وضعته بين يدي الى طالوت
(إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) إِنَّ فِي ذَلِكَ علامة قوية على اختيار الله تعالى لطالوت ملكاً عليكم.
 (وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آَيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ)
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُوا اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (249)
هذا السياق القرآني يدل على أن هذه الآية بهتتهم، ولذلك حذف ما كان يمكن أن يذكر، وهو أن بنى اسرائيل قبلوا "طالوت" ملكًا، ثم دعاهم للحرب، واستعدوا للحرب، ونظم "طالوت" الجنود ورتبهم
ثم قال تعالى
(فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ) 
يعنى خرج طَالُوتُ بِالْجُنُودِ ورحل بهم، وقيل أن عددهم كان ثَمَانُونَ أَلْفًا‏.‏ 
وكان طالوت رجل ذو علم –كما ذكر القرآن العظيم- وكان عالمًا بأحوالهم، واراد أن ينقي هذه الأعداد الكبيرة التى خرجت معه من ضعيفي الايمان، لأن وجودهم سيخذل بقية الجيش، فوضع "طالوت" هذا الاختبار لتنقية صفوف الجيش
(قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ) 
هذا هو التمحيص الثاني لهم بعد التمحيص الأول
(إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ) يعنى مختبركم
(بِنَهَرٍ) وهذا يدل أنهم كانوا عطاشي والا لم يكن النهر اختبار
وكان الجيش قد مر بأرض قفرة، وكان الحر شديدًا، والجنود عطشي
فقَالَ لهم طَالُوتُ انهم سيمرون على نهر، وهو نهر بين الأردن وفلسطين، ثم قال لهم إِنَّ اللَّهَ تعالى مُخْتَبِرُكُمْ بهذا النهر
(فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ) فَمَنْ شَرِبَ من هذا النهر (فَلَيْسَ مِنِّي) يعنى عليه أن يتركني ولا يصاحبني في خوض هذه المعركة (وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي) ومن لم يشرب منه فانه يكمل السير مع الجيش 
وهذا اختيار في غاية الذكاء، لأن الذي يقدر على شهوات نفسه سيقدر على عدوه، أما من لا يقدر على الانتصار على شهوات نفسه فان لن يستطيع أن ينتصر في المعركة على عدوه
ولذلك كان الرسول –صلى الله عليه وسلم- حريصًا في كل سيرته على أن ينقي جيش المسلمين من المنافقين وضعيفي الإيمان، نجد في غزوة "حمراء الأسد" أمر الرسول ألا يخرج معه الا من شهد أحد، لأن في أحد انصرف المنافقون في الطريق الى أحد، وفي خيبر أمر ألا يخرج معه الا من شهد بيعة الرضوان، لأن هؤلاء شهد الله لهم بالإيمان
(إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ) الا من شرب قليلًا مغترفًا بيده، وليس يديه
(فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ) فشرب أكثر الجيش، من ضعيفي الايمان 
(إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ) الا القليل الذي لم يشرب الا غرفة بيده
هذا قليل من القليل، وكانت هذه هي التصفية الثانية بعد التصفية الأولى
إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
يقول د. مصطفي محمود في خواطره حول هذه الآية الكريمة
الدنيا كلها في هذه الآية
الدنيا هيه النهر اللى بيجري تحت رجلينا، وكل واحد منا بيغترف منه، واحد منا بياخد على قد كفافه، وواحد بيشيل ويحمل 
فشربوا منه الا قليل منهم
هؤلاء القليل همه اللى ربنا خلق الدنيا عشان يفرزهم
يفرز هؤلاء القليل من الكثرة
خلق الدنيا عشان يفرزهم وعشان يفرش لهم جنت كرمه في الآخرة
لأنه هؤلاء هم أهله، أهل الله
أما الآخرين فهم حطب الشهوات في الدنيا وحطب النار في الآخرة
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ) يعنى فلما تعدي النهر طالوت والذين آمنوا معه، ولا يلزم أن يكونوا عبروا من فوقه، وقيل أن عددهم ثلاثة مائة وأربعة عشر عدد المسلمين في بدر
قال الرسول –صلى الله عليه وسلم- لأصحابه يوم بدر "إنكم على عدة أصحاب طالوت"
(قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ)
(قَالُوا) أي قال بعض أصحاب "طالوت" الذي جاوزوا معه النهر (لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ) أي لا قدرة لنا اليوم مع قلة عددنا وضعف عدتنا على حرب جالوت وَجُنُودِهِ
وليس معنى أنهم قالوا هذا الكلام أنهم هربوا أو نكصوا عن القتال، ولكنه اما حديث نفس، أو حديثهم بين بعضهم البعض، كمظهر من مظاهر الوجل الذي يعتري بعض النفوس عند الاستعداد للقتال 
 (قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُوا اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) 
نتوقف أولًا أمام كلمة (يَظُنُّونَ) 
(يَظُنُّونَ) يعنى يتيقنون
وحتى لو كان الظن هنا بمعنى الشك فان المعنى ان مجرد الظن بلقاء الله تعالى، يجعل لهم هذه العقيدة
(قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُوا اللَّهِ) وهؤلاء قليل من قليل من قليل، لا نعرف عددهم، ولكن لا شك أن منهم "طالوت" وأن منهم نبيهم "شَمْوِيلَ‏ بْنِ بَالِي" ومنهم "داود" النبي العظيم، ولم يكن قد أتاه الله تعالى النبوة في ذلك الوقت، وكان شابًا صغيرًا عمره ستة عشر عامًا
هذه الفئة القليلة جدًا جدًا جدًا قالوا مشجعين لإخوانهم الذين تهيبوا قتال أعدائهم: (كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ) يعنى كَمْ مِنْ جماعة قَلِيلَةٍ، و(كَمْ) تدل على الكثرة، أي أن هذا الأمر تكرر كثيرًا جدًا في تاريخ المواجهات بين أهل الحق وأهل الباطل، أن الأعداد القليلة، والأضعف بدنيًا، والأقل استعدادًا تغلب الجماعة الكثيرة العدد والعدة
وهنا تظهر حكمة التصفية التى قام بها "طالوت" وهم في طريقهم الى عدوهم حين قال لهم (إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ) فلو لم تتم هذه التصفية، وظل هؤلاء الضعفاء الايمان الكثيري العدد في الجيش، لكانوا عندما رأوا "جالوت" وجنوده جبنوا وخذلوا جميع الجيش، ولضاعت أصوات المؤمنين وسط أصوات هؤلاء 
ولكن بعد تصفية الجيش منهم، استطاعت القلة المؤمنة أن تثبت هؤلاء، وأن ترفع من روحهم المعنوية، وبذلك اصبح هناك جيش مؤمن قليل العدد ولكن شديد التماسك
يقول تعالى ( بِإِذْنِ اللَّهِ) يعنى بعون الله وتأييده 
(وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) المطلوب منكم فقط هو الصبر
يقول أبو الدرداء : إنما تقاتلون بأعمالكم .
(قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُوا اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ)
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (250)
(وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ) 
أي لما اقترب الجيشان ورأي كل جيش الآخر
(قَالُوا) أي قال طالوت وأصحابه 
(رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ)
أي طالوت وأصحابه التجئوا الى دعاء الله تعالى أن ينصرهم
والدعاء فيه ترتيب بليغ
(رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا) سألوا الله تعالى أولًا أن ينزل الصبر عليهم،  وهذا هو ملاك الأمر، وقوله (أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا) يدل على حاجتهم الى أن يملأ قلوبهم بكثير من الصبر 
(وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا) طلبوا من ربهم أن يرزقهم الثبات في المعركة وعدم الفرار، وهذا أثر من أثار الصبر
(وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) ثم طلبوا النصر على العدو، وهم أمر مترتب على الصبر والثبات
(وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (250)
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
 (فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآَتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ)
التقي الجيش جيش الايمان "طالوت" ومن معه، وجيش الطفر وهو "جالوت" والعماليق
وكان "طالوت" قد أعلن أن من يقتل "جالوت" فانه ينكحه ابنته ويكون له الملك على بنى اسرائيل من بعده، وذلك لعلم "طالوت" أن قتل "جالوت" سيكون هو مفتاح النصر
فلما التقي الجيشان طلب "جاولت" المبارزة، وكان ضخمًا لا يقدر عليه أحد، فخرج اليه داود بلا درع وبلا سلاح، وانما خَرَجَ إِلَيْهِ بِمِقْلاعِ وَبِمِخْلاةٍ فِيهَا أَحْجَارٌ، وكان شاب صغيرًا عمره ستة عشر عامًا يعمل في رعي الغم، فكان يستخدم المقلاع في مقاتلة الذئاب وغيرها من السباع، فتعجب جَالُوتُ وقَالَ لَهُ: أَنْتَ تُقَاتِلُنِي ؟ قَالَ دَاوُدُ: نَعَمْ. قَالَ: وَيْلَكَ، مَا خَرَجْتَ إِلا كَمَا يُخْرَجُ إِلَى الْكَلْبِ بِالْمِقْلاعِ وَالْحِجَارَةِ، لأُبَدِّدَنَّ لَحْمَكَ وَلَأُطْعِمَنَّكَ الْيَوْمَ الطَّيْرَ وَالسِّبَاعَ.
فَقَالَ لَهُ دَاوُدُ: بَلْ أَنْتَ عَدُوُّ اللَّهِ، شَرٌّ مِنَ الْكَلْبِ. ثم أَخَذَ دَاوُدُ حَجَرًا، فَرَمَاهُ بِالْمِقْلاعِ، فَأَصَابَ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، فَصَرَخَ جَالُوتُ وسقط على الأرض، فأخذ داود سيفه واحْتَزَّ رَأْسَهُ، ثم حمله والقاه بين يدي "طالوت"
وبدأت معركة شرسة انتصر فيها جيش "طالوت" وانهزم جيش "جالوت" من العماليق، يقول تعالى (فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ) والفاء تدل على السرعة
ووقعت هذه المعركة سنة 1025 قبل الميلاد
20
(فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ ال