Untitled Document

عدد المشاهدات : 1945

الحلقة (136) من" تَدَبُر القُرْآنَ العَظِيمِ" تَدَبُر الآية (222) من سورة البقرة: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ

  تدبر القُرْآن العَظِيم

الحلقة السادسة والثلاثون بعد المائة الأولى
تدبر الآية (222) من سورة البقرة
********
وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222) 
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
بعد أن تحدث الاسلام عن أول خطوة من خطوات تكوين الاسرة وهي اختيار الزوجة أو اختيار الزوج، جاءت الآيات التالية لتتناول بعض الآداب التى يجب أن يتبعها الزوجين في حياتهما الزوجية، فتناول الله تعالى في هذه الآية موضوع حيض المرأة، والعلاقة بين الزوجين في فترة الحيض
والحيض لغة هو السيلان، فكانت العرب تقول حاضت الشجرة إذا سال منها الصمغ، وكانوا يقولون "حاض الوادي" أي سال الماء في الوادي، ونحن نقول الحوض لأن الماء يسيل فيه
والحيض، هو ما نطلق عليه "العادة الشهرية" أو "الطمث" أو الـ  Period وهو أمر يحدث للمرأة نتيجة إنطلاق البويضة من المبيض لدى المرأة مرة كل 28 يوم -هذه الأيام قد تزيد أو تنقص- وتتجه البويضة نحو الرحم الذي يُهَيِئ لاستقبالها بطانة جديدة، وهذه البطانة يكون بها شعيرات دموية لتغذية الجنين في حالة تكون الجنين، وفي حالة وصول السائل المنوي للرجل في ذلك الوقت يتم التخصيب، وبالتالى يكون الجنين والحمل
 ولكن في حال لم يتم هذا التخصيب، فان البويضة تتحطم، وتتهتك معها البطانة المكوّنة على جدار الرحم، وكذلك الشعيرات الدموية ، ومن خلال التهتك الذي يتسبب عن ذلك، يتم نزول دم الحيض.
فتعريف الحيض شرعًا: هو ما يقذفه رحم المرأة من دم في أوقات مخصوصة على وجه مخصوص .
واذا لم يكن في أوقاته يسمي "استحاضة" والحيض له أحكامه في كتب الفقه، والاستحاضة لها احكامها
 

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
عندما جاء الاسلام، كان هناك تياران، تيار يري أن المرأة في فترة الحيض تكون نجسة لا يجوز أن يأكل معها زوجها، أو ينام الى جوارها، أو حتى يكون معها في بيت واحد
وكان هذا تأثرًا باليهود الذين كانوا يختلطون بالعرب في المدينة وفي أكثر من مكان في الجزيرة العربية، وكان اليهود يتشددون في هذا الأمر كثيرًا 
 يقول كاتب سفر اللاويين 
"وَإِذَا حَاضَتِ الْمَرْأَةُ فَسَبْعَةَ أَيَّامٍ تَكُونُ فِي طَمْثِهَا، وَكُلُّ مَنْ يَلْمِسُهَا يَكُونُ نَجِساً إِلَى الْمَسَاءِ، كُلُّ مَا تَنَامُ عَلَيْهِ فِي أَثْنَاءِ حَيْضِهَا أَوْ تَجْلِسُ عَلَيْهِ يَكُونُ نَجِساً، وَكُلُّ مَنْ يَلْمِسُ فِرَاشَهَا يَغْسِلُ ثِيَابَهُ وَيَسْتَحِمُّ بِمَاءٍ وَيَكُونُ نَجِساً إِلَى الْمَسَاءِ، وَكُلُّ مَنْ مَسَّ مَتَاعاً تَجْلِسُ عَلَيْهِ، يَغْسِلُ ثِيَابَهُ وَيَسْتَحِمُّ بِمَاءٍ، وَيَكُونُ نَجِساً إِلَى الْمَسَاءِ، وَكُلُّ مَنْ يَلَمِسُ شَيْئاً كَانَ مَوْجُوداً عَلَى الْفِرَاشِ أَوْ عَلَى الْمَتَاعِ الَّذِي تَجْلِسُ عَلَيْهِ يَكُونُ نَجِساً إِلَى الْمَسَاءِ، وَإِنْ عَاشَرَهَا رَجُلٌ وَأَصَابَهُ شَيْءٌ مِنْ طَمْثِهَا، يَكُونُ نَجِساً سَبْعَةَ أَيَّامٍ، وَكُلُّ فِرَاشٍ يَنَامُ عَلَيْهِ يُصْبِحُ نَجِساً". 
والأغرب من هذا انها حتى تتخلص من نجاستها، عليها ان تذهب إلى الكاهن بفرخي حمام !!
"وَفِي الْيَوْمِ الثَّامِنِ تَجِيءُ بِيَمَامَتَيْنِ أَوْ فَرْخَيْ حَمَامٍ إِلَى الْكَاهِنِ إِلَى مَدْخَلِ خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ، فَيُقَدِّمُ الْكَاهِنُ أَحَدَهُمَا ذَبِيحَةَ خَطِيئَةٍ، وَالآخَرَ مُحْرَقَةً. وَيُكَفِّرُ الْكَاهِنُ عَنْهَا فِي حَضْرَةِ الرَّبِّ مِنْ نَزْفِ نَجَاسَتِهَا".
هذا التشدد، وهذا التكدير للمرأة في وقت حيضها، لأنهم يعتقدون أن حيض المرأة هو عقوبة عاقبها الله تعالى لأمنا حواء لأنها كانت السبب في إقناعها لسيدنا آدم من أكل الشجرة  
وكان العرب قد تأثروا باليهود في ذلك، فكان الرجل يعتزل زوجته اذا حاضت، فلا يأكل معها، ولا ينام الى جوارها، ولا يكون معها في بيت واحد، فاما أن يخرجها خارج البيت أو يخرج هو 
هذا هو تيار أفرط في التعامل مع موضوع الحيض، وكان تيار آخر فرط فكان في أيام الحيض يأتي زوجته في دبرها، حتى يكون بعيدًا عن الدم
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ولذلك توجه الصحابة بالسؤال الى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقيل أن السائل هو "ثَابِتَ بْنَ الدَّحْدَاحِ الْأَنْصَارِيَّ" فال: يا رسول الله كيف نصنع بالنساء إذا حِضْن؟ فنزل قول الله تعالى (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ المحيض قُلْ هُوَ أَذًى 0000الآية) فقال الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-  أصنعوا كل شيء إلا النكاح
فلما بلغ ذلك اليهود قالوا "ما يريد هذا الرجل أن يدع من أمرنا شيئاً إلا خالفنا فيه"
فلما بلغ الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ما قالوا تغير وجهه
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ المحيض قُلْ هُوَ أَذًى)
والأذي هو ما يتأذي منه الإنسان
وقوله تعالى (أَذًى) هو ومضة من ومضات الاعجاز العلمي في القرآن
لأن القرآن نزل ولم يكن أحد يعلم أي شيء عن أي أضرار الجماع أثناء الدورة الشهرية
ولذلك في كل كتب التفسير القديمة كانوا اذا تناولوا قول الله تعالى (أَذًى) يقولون أنه أمر مستقذر وأن رائحة هذا الدم تكون كريهة
ثم يأتي العلم الحديث ليثبت عبر عشرات الدراسات أن الجماع أثناء الدورة الشهرية هو أذي للرجل والمرأة
ولذلك  أطلقت الآية كلمة  (أَذًى) ولم تحدد من المقصود به، وفي ذلك اشارة الى أنه أَذًى للرجل وللمرأة
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
تقول الدراسات الطبية الحديثة أن هناك نوع معين من البكتيريا النافعة تسمى "عصويات دودرلين" Döderlein تتواجد بصفة طبيعية فى المهبل، وهي تعتبر الحارس عليه ضد الجراثيم الضارة، وعند حدوث الحيض، فإن طبيعة المهبل تتغير من الحامضية إلى القلوية، فتموت تلك البكتيريا النافعة ويأخذها تيار الدم معه إلى خارج المهبل، وهكذا يصبح الرحم مرتعًا خصبًا للجراثيم الضارة
فاذا حدث الجماع ومع وجود الميكروبات على سطح القضيب في أثناء عملية الجماع تكون المرأة معرضة للإصابة بالكثير من الأمراض البكتيرية الخطيرة، مثل مرض السيلان، وسرطان عنق الرحم، كما  يمكن أن تسبب لها العقم الدائم 
كذلك أثناء الدورة يقذف الرحم الغشاء المبطن له، فيصبح مثل الجلد المسلوخ المنزوع عنه الجلد، فيكون عرضة نتيجة الجماع للإصابة بالتهابات حادة، يصفها الأطباء بأنها التهابات مؤلمة ويصعب علاجها، ويمكن أن تتطور الى امراض خطيرة
وهذه الالتهابات يمكن أن تنتقل إلى قناة مجرى البول للرجل فالمثانة فالحالبين فالكلى، وتصيب الجهاز البولي للرجل بأمراض خطيرة ومزمنة
ولذلك فجميع الدراسات الطبية، وهي دراسات غربية أوصت بالامتناع عن الجماع أثناء الدورة الشهرية
وهذا الأذي ليس أذي فسيولوجيًا فقط، ولكنه أذي معنويًا، لأن أغلب النساء لا يكون لديها الرغبة في الممارسة في ذلك الوقت، بل قد تميل الى الاكتئاب، فاذا أجبرت بطريقة أو بأخري على الممارسة في تلك الفترة، يمكن أن يؤدي ذلك الى النفور من الزوج، وفي المقابل فأن الرجل الذي يمارس في تلك الفترة فانه - بعد خمود الشهوة- يستقذر الأمر، مما يؤدي –كذلك- الى النفور من الزوجة
"عصويات دودرلين" Döderlein
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(فاعتزلوا النسآء فِي المحيض وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حتى يَطْهُرْنَ) 
الاعتزال: التنحي عن الشيء.
(تَقْرَبُوهُنَّ) يقرُب بضم الراء يدنو من الشيء
يقرَب بفتح الراء: يتلبس بالفعل
 (فِي المحيض) أي في وقت المحيض أو في مكان المحيض
فالآية أمر بترك الجماع في وقت الحيض
ولاحظ هنا دقة التعبير القرآني
لو كان الله تعالى قد قال (فاعتزلوا النسآء فِي المحيض) وسكت لكان المسلمون قد فهموا أن المقصود في الاعتزال ما كان عليه اليهود وأغلب العرب وهو أن المرأة الحائض، لا تُجالس ولا تُؤاكل ولا تُساكن، يعنى لا يجمعها مع زوجها بيت واحد، ولكن الله تعالى قال بعدها (وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حتى يَطْهُرْنَ) وقلنا أن يقرَب بفتح الراء: يتلبس بالفعل، ويقرُب بضم الراء يدنو من الشيء، وقد قالت الآية (تَقْرَبُوهُنَّ) بفتح الراء، بمعنى الالتباس بفعل النكاح، وليس الدنو او الاقتراب من الزوجة
فبين الله تعالى بذلك أن المقصود بالإعتزال، ليس ما كان عليه اليهود والعرب في جاهليتهم، ولكن المقصود به هو ترك الجماع
ولذلك قال الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "أصنعوا كل شيء إلا النكاح"
روى مسلم عن أمنا عائشة –رضى الله عنها- أنها قالت: "كنت أشرب وأنا حائض، ثم أناوله النبي صلى الله عليه وسلم فيضع فاه على موضع فيَّ فيشرب ".
كأن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-  يتعمد ذلك حتى يزيل هذه العادة الذميمة عند العرب وهي النفور واعتزال الزوجة في أيام حيضها
قال الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "أصنعوا كل شيء إلا النكاح"
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(حَتَّى يَطْهُرْنَ) 
ليس معنى (حَتَّى يَطْهُرْنَ) –كما يعتقد البعض- هو انقطاع الدم
ولكن المعنى عند جمهور الفقهاء هو: لا تجامعوهن حتى يغتسلن، أي أن المرأة إذا انقطع حيضها لا يحل للزوج مجامعتها إلا بعد الاغتسال .  
وذلك بدليل أنه تعالى قال بعدها (فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ) والتطهر يكون من فعل المرأة، أي أنها تطهرت بالاغتسال
ولذلك هناك قراءة (وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حتى يَطَّهَّرْنَ) بتشديد الطاء والهاء وفتحهما، لأن أصلها يتطهرن، وأدمجت التاء مع الطاء، فأصبحت طاء مشددة
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ) 
(مِنْ) هنا بمعنى "في" ولكن من أدب القرآن أنه تعالى قال (مِنْ) ولم يقل "في"
(أَمَرَكُمُ اللَّهُ) ما الذي أمرنا الله تعالى به ؟ 
أمرنا تعالى باجتناب المجامعة في مكان الحيض في وقت الحيض
فالمعنى: فَإِذَا تَطَهَّرْنَ بالاغتسال (فَأْتُوهُنَّ) أي فجامعوهن، وهو أمر على الإباحة، في المكان الذي أمرتكم باجتنابه وقت الحيض
وهذا المكان هو القبل، لأن الدم يخرج من القبل، اذن الأمر أن تكون المباشرة في القبل، وهذا رد على التيار الذي أفرط، وكان يباشر المرأة اذا حاضت في دبرها
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
 (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ)
يخبر تعالى أنه يحب صنفين من عباده وهم (التَّوَّابِينَ) و(الْمُتَطَهِّرِينَ)
ما مناسبة ذلك للأية ؟
نقول أن الآية تتناول حكم جماع المرأة أثناء الحيض ؟
ولذلك قال تعالى (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ) يعنى اذا خالفت سُنَّةَ الْفِطْرَةِ فجامعت زوجتك فِي زَمَنِ الْمَحِيضِ أَوْ جامعت زوجتك فِي الدبر، ثم تبت الى الله، ولم تصر على هذا الأمر فأنت ممن يحبهم الله تعالى (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ)
ثم ذكر تعالى أنه يحب (الْمُتَطَهِّرِينَ) يعنى الْمُتَطَهِّرِينَ من هذه الأقذار وهي اتيان النساء في زمن الحيض أو اتيان النساء في الدبر، فهؤلاء يحبهم الله تعالى
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
دائمًا تتبع في القرآن العظيم الذين يحبهم الله تعالى، ففي القرآن العظيم أن الله تعالى يحب المتقين، ويحب المحسنين، ويحب الصابرين، ويحب المتوكلين، ويحب المقسطين، يعنى الذين يعدلون في حكمهم
هذه الآية تذكر صنفين من المؤمنين الين بحبهم الله تعالى، وهم (التَّوَّابِينَ) يعنى كثيري الرجوع الى الله، ولا يصرون على الذنب
و (الْمُتَطَهِّرِينَ) وأعلى درجات التطهر هو التطهر من الذنوب والآثام
وحب الله تعالى هو أعظم مطلوب، وهو أعلى المقامات، وهو يصل بالمؤمن لكل خير، ويحجزه عن كل شرٍّ، فمن أحبه الله تعالى فقد فاز فوزًا عظيمًا.
يقول أحد الصالحين "ليس العجب من فقير مسكين يحب محسنًا إليه، إنما العجب من محسن عظيم غني يحب فقيرًا مسكينًا".
نسأل الله تعالى أن يرزقنا حبه، وحب من يحبه، وحب كل عمل يقربنا اليه تعالى