Untitled Document

عدد المشاهدات : 1781

الحلقة (134) من" تَدَبُر القُرْآنَ العَظِيمِ" تَدَبُر الآية (220) فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَا

  تدبر القُرْآن العَظِيم

الحلقة الرابعة والثلاثون بعد المائة الأولى
تدبر الآية  (220) من سورة البقرة
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (220) 
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وصى الله تعالى في الْيَتَامَى في أكثر من موضع في القرآن العظيم، فيقول تعالى في سورة الماعون (أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (1) فَذَٰلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ) ومعنى يَدُعُّ الْيَتِيمَ أي يدفعه بعنف ، وهذه كناية عن سوء معاملة اليتيم، فجعل الله تعالى سوء معاملة اليتيم أول علامات التَّكْذِيبِ بِالدِّينِ، وقال تعالى في سورة الضحي (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ)
ثم حذر تعالى من سوء التصرف في مال اليتيم فقال تعالى في سورة الانعام (وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ) ثم كان التحذير الشديد جدًا في سورة النساء فقال تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا)
وقد قلنا من قبل ان اليتم ليس سببًا للإنفاق على اليتيم، لأن بعض الأيتام أغنياء وعندهم مال، بأن يكون هذا اليتيم قد ورث مالًا عن أبيه، وقد يكون هذا اليتيم أكثر مالًا من الوصى عليه، فقد يكون هناك مثلًا أخان أحدهما فقير والآخر غنى، ثم مات الغنى وترك أبناء أيتام، وورث هؤلاء الأبناء الأيتام أبيهم وأصبحوا أغنياء، فيكون أخوه الفقير هو الوصى أو القيم على هؤلاء الأيتام الأغنياء.
وفي هذه الحالة نجد أن هذا الوصى الفقير لا ينفق على هؤلاء الأيتام الذين في حجره من ماله هو لأنه فقير وهم أغنياء، وربما ليس عنده أي قدرة على الانفاق عليهم من ماله، ولذلك فهو ينفق عليهم من أموالهم
فلما كان هذه التحذير الشديد والوعيد من الله تعالى من سوء التصرف في مال اليتيم، كان الذي يكفل يتيمًا في بيته، كان يتكلف عزل كل شيء يخص اليتيم داخل البيت، فكانوا يشترون طعام اليتيم من ماله، ويطبخ وحده، ثم يجلسون للطعام، فيكون لأهل البيت قصعة يأكلون منها وطعام خاص بهم، ويكون لليتيم قصعته الخاصة وطعامه الخاص به
واذا بقي شيء من طعام اليتيم، فلا يأكل منه أحد، بل يترك حتى يفسد
وكان الماء الذي يخص اليتيم يعزل عن ماء أهل البيت، واذا كان له آنية لا يستخدمها أحد، واذا كان له فراش فلا يجلس عليه أحد، واذا كان لليتيم دابة فلا يركبها أحد، واذا كان له خادم أو عبد لا يطلبون منه شيء
وهكذا وصل الأمر الى عزل هؤلاء الأيتام عن أهل البيت داخل البيت الذي يعيشون فيه، بل شدد البعض وجعل لليتيم بيتًا منفصلًا يعيش فيه
وكل ذلك كان من ورع الصحابة رضوان الله عليهم
ولم يكن كل هذا في مصلحة اليتيم من حيث رعايته وتربيته وتقويمه وتهذيبه، ولا من حيث الحالة النفسية التى يكون فيها اليتيم 
وهكذا اختلت مصالح اليتامى وساءت معيشتهم، ووقع الصحابة في حيرة: كيف يجمعوا بين أن يَعِيشَ الْيَتِيمُ فِي بَيْتِ كَافِلِهِ عزيزًا كريمًا كواحد من أهل البيت، وَأن يَسْلَمَ الْكَافِلُ مِنْ أَكْلِ شَيْءٍ مِنْ مَالِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ
فتوجه الصحابة بهذا السؤال الى الرَسُولَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقيل: أن السائل هو "عبد الله بن رواحة" وقيل أنه "ثابت بن رفاعة" الأنصاري
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
يقول تعالى (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى) هذا هو سؤال الصحابة
(قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ) 
يعنى قل لهم يا محمد أن اصلاح أحوال اليتيم بحسن تربيته وتعليمه وتهذيبه، واصلاح مال اليتيم بالتجارة فيه حتى لا تأكله النفقة، هو خَيْرٌ، وثوابه عظيم 
كأن الله تعالى يقول من يستطيع أن يفعل ذلك بلا مقابل فليفعل حتى لا ينقص ذلك من ثوابه وأجره عند الله تعالى 
وهذا مثل قول الله تعالى في سورة النساء (وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ) يعنى من كَانَ عنده ما يكفيه فلا يأخذ مقابلًا على رعايته مال اليتيم (وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ) ومَنْ كَانَ فَقِيرًا فليأخذ فقط ما يسد حاجته
وهذه المعاملة المالية هي ما يطلق عليها "المضاربة" وأصلها من "ضرب في الأرض" يعنى طرفين يقدم أحدهما المال، وهو هنا اليتيم، والطرف الثاني هو الذي يتجر في المال، وهو هنا الوصى أو القيم، ويكون لهذا الطرف الثاني نصيب في الربح
فالآية تقول للوصى أو القيم الذي يتجر في مال اليتيم، اذا كنت غنيًا لا تأخذ شيئًا من الربح، واذا كنت فقيرًا فخذ فقط ما يكفيك
 

(قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ) 
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ) يعنى اذا لم ينفق الوصى من ماله على اليتيم، وأنفق عليه من مال اليتيم نفسه، وهذا هو معنى (تُخَالِطُوهُمْ) أي تخلطوا أموالكم الى أموالهم 
والمخالطة هي صعوبة التمييز
(فَإِخْوَانُكُمْ) يعنى كما تخالطون إِخْوَانُكُمْ
فاذا اجتمع مجموعة من الأصحاب واشتروا طعامًا ليأكلوه، ثم جلسوا لتناول هذا الطعام، فهم لا يقسمون الطعام فيما بينهم، ولكنهم يأكلون جميعًا على مائدة واحدة
فهكذا يكون الحال حين يخالطون اليتيم ويعيش بينهم، فيخلطون اموالهم بأموال اليتيم
كذلك قوله تعالى (فَإِخْوَانُكُمْ) ترقيق لقلب الولى والقيم على اليتيم، يعنى عالمه كما تعامل أخيك الصغير

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ) 
يعنى الله تعالى يعلم من يخالط اليتيم لأن حركة الحياة تقتضى ذلك، ومن يخالطه بقصد أن يأكل من ماله
والآية عودة للتحذير من أكل مال اليتيم، وفي نفس الوقت تطمين لمن يريد الاصلاح في مال اليتيم
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ) 
العنت هو الشدة والمشقة التى لا تطاق
كما نقول فلان هذا متعنت أي متشدد
يقول تعالى (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ) أي شديد عليه ما يشق عليكم
يعنى الله تعالى لو أراد أن يشدد عليكم لشدد عليكم وضيق عليكم، ولكنه تعالى لا يريد ان يشدد عليكم، وانما يريد أن ييسر عليكم، يقول تعالى في سورة النساء (يريد الله بكم اليسر ولا يريد لكم العسر) فاذا كان الله تعالى لا يريد ان يشدد عليكم فلا تشددوا انتم على أنفسكم
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
 (إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)
العزيز هو القوي الذي لا يغلب
والحكيم هو الذي يضع كل شيء في موضعه
ومناسبة تذييل الآية باسم الله تعالى العزيز والحكيم
يعنى الله تعالى لو أراد أن يشق عليكم في أمر مخالطة اليتيم وغير ذلك، لن يمنعه مانع من أن يشق عليكم، وأن يعاقبكم على ذلك، ولكنه لحكمته تعالى لا يأمركم بما يشق عليكم
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
هذه الآية وكذلك قوله تعالى في سورة النساء (وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ) هامة جدًا
مؤسسات المجتمع المدني، أو المؤسسات والجمعيات الخيرية التى تقوم بكفالة الأيتام، هذه المؤسسات والجمعيات لها من يقوم على ادارتها، وقد يكون من يقوم على ادارتها متفرغًا لهذا الأمر، وهذا هو عمله الوحيد ومصدر رزقه، وقد يكون غير متفرغًا لهاذا الأمر
نقول أن الأساس في المقابل المادي الذي تأخذه في مقابل ادارتك لهذه الجمعية أوالمؤسسة، هو هذه الآية الكريمة  (وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ) يعنى اذا كان عندك ما يكفيك فلا تأخذ مقابل لهذا العمل، واذا لم يكن عندك ما يكفيك فلا تأخذ مقابل هذا العمل الا ما يكفيك فقط